المعراج إلى السماء
قراءتي في ديوان "بعض معاني السماء " للشاعر الصميلي , كانت بسبب أنني أريدُ
قراءتهُ , أي ليستْ صداقة تربطني بالشاعر فأنا لا أعرف حسن ,
إلا من خلال اسمه على الغلاف, ولكن تداعيات الحوار الذي دار بيني وبين أحد الأصدقاء عن دلالة المعنى , وإشاراته في الشعر,
ساق صديقي ليحدثني عن ديوان بعض معاني السماء .
هذا الديوان منذ عتبات النص رائع جدا _ وأقصد بعتبات النص_ ماهو مضاف إلى
العنوان : إهداء , تقديم , تاريخ الكتابة , التخطيطات الداخليه , والصورة التي على
الغلاف ...إلخ (( وفقاً لجيرار جينيت)).
نلاحظ أن الغلاف لهذا الديوان , ينهض بدور حيوي في الإيحاء بمسار النصوص ,
واتجاهها الدلالي ليشكل عنصر بارز ضمن العناصر التي تمهد لأجواء الكتاب , وحركة النصوص في الداخل .
إن نجاح القصائد أو القصيده _أي قصيدة كانت_ لا يعد شيء مضموناً ,
أو مؤكداً مالم يضبط الشاعر بوصَلَتِه الشعرية ؛ لتلتقط برهافة شديدة ذبذبات فكره
وصولاً إلى التحسين بطريقة أشد فاعلية من سواها .
وأنا برأيي أن الشاعر هنا تمكن من ذلك بكل اقتدار , لذا فإن الديون يبدأ قصيده من
العنوان , فالعنوان ليس عبارة عن كلمة توضع اعتباطاً , بل
يتم اختيارها بدوافع مختلفة وضغوط متفاوتة .
حين تنظر لمسمى الديوان(بعض مـ...) تجد أن الشاعر قد أختار هذا المسمى إما
استجابة لقوة داخلية غامضة تملي عليه هذا الإختيار أو أن يكون مثلاً لسبب ثقافي ,
معرفي يمتلكه الشاعر يتصل ببنية النصوص في الداخل.
حقيقةً أجد ديوان حسن صميلي _ والذي هو بين يدي الآن _ عاطفة ملتهبة , مشحوذة الخيال ذات إشعاعات روحيه , يلفها الرمز أحيانا وتحتويها الواقعية ,
والمعاني
العميقة أحياناً أخرى.
قفزة إلى الداخل
الديوان بين يدي يحوي إلى جانب الإهداء خمسون قصيده ,زاوج فيها بين أنماط الشعر
(نثر , حر , تقليدي ) .
ومن خلال عنوان الديوان وما اشتمل عليه من قصائد نلاحظ ان الشاعر
يبث نجواه كلما نظر للسماء.
فإن رأى القمر بثه الألم و الغربه , حيث يقول في قصيدة وحدك ياقمر :
مازلت تؤنسني وأنتحب
يا صاحبي عذراً كما يجب
في كل أرض جبتها وجع
وبكل حقل منزل خرب
وإن رأى الشاعر النجوم في السماء او برز له نجم له مسمى ,حدثه
بإحساسه لمن هو غائب أو لمن هو واقع في محنة ونكبة.
فيقول في قصيدة (حديث سهيل) :
زرياب ليس سوى النوى لا تلتفت
بغداد شلت حولها الأسوار
هذا الديوان برأيي موافق لشعراء الجيل الثالث في الادب السعودي , حيث يصور الشعراء واقع
الحياة التي يعاصرونها من نكبات , وقضايا اجتماعية , وقضايا سياسية قومية عربية ,...بأسلوب
وخصائص الشعر الرومنسي , فتلاحظ وأنت تقرأ ديوان بعض معاني السماء , التعلق بالخيال
والمبالغة فيه , وحب الطبيعية ومزج النفس البشريه بها ... , ونلمس ذلك في جميع قصائد الديوان
وخصوصاً في قصيدة أحلى زمن , يقول :
وما أنتِ إلا غمامة عشق
تمكن من صدرها الاقحوان
فمدت يديها
تبوح ببعض معاني السماء
إلى زورق في لجة من شذا
إن ما يميز هذا الديوان أشياء كثيرة أهمها توافق الموسيقى مع الغرض , وهذا كفيل بمعرفة ولع
الشاعر بالموسيقى وقدرته الموسيقية , وأيضاً يمكن معرفة ذلك من خلال سيميائيته فهو يذكر رمز
الموسقيى (زرياب) على نحومرتين في الديوان .
ونلاحظ أيضاً أنه شديد المحافظة , حين يكون تقليدي فحرف الصدر هو حرف العجز , وهذا هو
الشكل الذي أخذت عليه معظم القصائد في الديوان , وهذه الظاهره كثيراً ما نلاحظها في الشعر
وأنا افلسف هذا بمسمى الإطمئنان الموسيقي حيث أرى ان الشاعر لا يمكن أن تسير
موسيقاه ما لم يطمئن موسيقياً في البيت الأول , وبرأيي أنه تكرار للسابقين,
مالذي يمنع الشاعر المعاصر على النطاق المحلي او الخارجي من الاستغناء عن هذا التقليد ؟.!
إن ألفاظ حسن صميلي حتى وإن بدت للقارئ سهلة إلا أن بنيويتها فيها شيء من الغرابة
فالقيمة السهلة (للـمفرده / للجملة) لها مالها من بعدها الإيحائي المتخيل والمتداخل في ذات القارئ
وإرتباطه بالنص .
فالتركيب الشكلي , والتصويري يحتاج لمقاربة دقيقة ,ليتمكن المتلقي من إيجاد وحدات متعدده
(البيت / القصيده / الموضوعيه) .
جاءت العناوين في الديوان لتضع المتلقي في ورطة
إذ إن كمية الضباب الكثيف بين القصيده وعنوانها تفتح للقارئ دلالات واحتمالات قبل تناول النص
فالعنوان هو مكنون القصيده هو روح القصيده هو ما وراء النص
لم يكن العنوان مفتاح للنص كما هي العادة بل العكس تماماً
جاءت النصوص لتكشف عن معنى العنوان .
ونلحظ هذا بارزاً في قصيدة حريق روما
فيقول :
مغرورة النهدين صدق الهوى
عزف الدموع الحمر للنائم
وموته أن ينزف المنتدى
ذاكرة ً في البلد الصائم
وعزه أن يغرس النار في
خاصرة المبتدأ الواهم
قولي لمن فرقنا : ويله
يالعنة الله على الظالم
ينبني النص هنا على قيمة معرفية ثقافية يفلسف منها الشاعر أحداثه الخاصه بطريقة ليست مشابه
لبقية القصائد في الديوان , هذا القصيده تعتبر الفراشة التي خرجت من الشرنقة والتي تمثل تجربة
لها تميز فريد
هذه قراءة سريعه في الديوان وليست دراسة , وتركي لجوانب يجدر بي القوف
عليها كان من باب ذكر المختصر وليس الحصر .