(2)
نقول : إثبات ذلك عقلا و نقلا هو من البخاري .. فقد بوّب البخاري رحمه الله باباً اسمه:
( باب من قال لا رضاعة بعد الحولين)
فهل اسم الباب واضح؟!
1- لماذا لا تجوز الرضاعة بعد الحولين؟
لأن النبي صلي الله عليه و سلم قال ( إنما الرضاعة من المجاعة ) أي أن الرضاعة التي تحرم هي ما كانت في فترة الطفولة كي يكون هذا اللبن سبب في بناء لحمه فتكون المرضعة قد أنبتت من لبنها لحم الطفل كما الأم تنبت من رحمها لحم الطفل فتكون المرضعة كالأم في هذا الحين .
2- هل جزم أحد أن هذا الحديث ناسخ للحديث الذي قبله ؟
يرى الجصاص هو والشافعي والطبري وكثير من علماء الأمة بنسخ حكم رضاع الكبير حيث يقول وقد ثبت عندنا وعند الشافعي نسخ رضاع الكبير..
وبالتالي فإن آراء من يقول بأن رضاع الكبير يُحرم كالنسب فإنه على الخطأ فالدليل وجمهور الصحابة فضلا عن التابعين وتابعي التابعين والأئمة الأعلام أن الرضاع المحرم هو ما دون السنتين وقال أبو حنيفة سنتين ونصف السنة إحتياطا فقط لا غير…فإجماع الصحابة إجماع للأمة ومن قال برضاع الكبير فهو قول شاذ كما ذكر العلماء.
قال الحافظ ابن عبد البر : " عدم تحديث أبي مليكة بهذا الحديث لمدة سنة يدل على أنه حديث ترك قديما ولم يعمل به ، ولا تلقاه الجمهور بالقبول على عمومه ، بل تلقوه على أنه مخصوص " . ( شرح الزرقاني على الموطأ 3/292)، وقال الحافظ الدارمي عقب ذكره الحديث في سننه : " هذا لسالم خاصة "
قال الحافظ علامة المغرب ابن عبد البر : "هذا يدل على أنه حديث ترك قديماً ولم يعمل به، ولا تلقاه الجمهور بالقبول على عمومه، بل تلقوه على أنه خصوص"
وبذلك صرحت بعض الروايات، ففى صحيح مسلم عن أم سلمة زوج النبي كانت تقول : "أبى سائرأزواج النبي أن يدخلن عليهن أحداً بتلك الرضاعة وقلن لعائشة: والله! ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله لسالم خاصة فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة ، ولا رائينا"
فقصة رضاعة سالم رضي الله تعالى عنه قضية عين لم تأت في غيره، واحتفت بها قرينة التبني، وصفات لا توجد فى غيره، فلا يقاس عليها.
3- و لكن كيف تستدل أن عائشة رضي الله عنها قد علمت بهذا النسخ ؟!
نقول لأنه بمنتهى البساطة هذا الحديث هو من رواية عائشة رضي الله عنها ..
و إليكم الحديث : أخرج البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها و عندها رجل فكأنما قد تغير وجهه فقالت إنه أخي فقال: " انظرن ما إخوانكن إنما الرضاعة من المجاعة "
فإن قال النصارى : ربما المراد بذلك الأمر هو ( عدد الرضعات و ليس السن ) لأجبناهم أن هذا يستحيل فإن أحاديث أعداد الرضعات التي تحرم روتها هي عائشة رضي الله عنها و هي تعلمها جيدا ..
كذلك لفظ الحديث لا يدل على العدد و إنما يدل على السن ( إنما الرضاعة من المجاعة ) أي في السن الذي يكون سد الجوع فيه هو اللبن الذي يرضعه الرضيع
كذلك بوّب البخاري الحديث كما ذكرنا في باب من قال إنه لا تجوز الرضاعة بعد الحولين .
السؤال الأخير : و ما يدريك أن هذا الحديث هو الذي نسخ الذي قبله و لم لا يكون العكس؟ أي لم لا يكون هذا الحديث هو الأول و حديث سهلة هو الناسخ ؟
نقول هذا من فرط الغباء أن يظن النصارى ذلك لأن الأصل في الرضاعة كان التحريم , فلابد أن يأتي حديث يحلل ذلك التحريم وهو حديث سهلة ثم إذا كان نسخ يكون بعد حديث سهلة لا قبله .
و هذا ما نفهمه من الحديث أن عائشة رضي الله عنها كانت تظن بجوازه فنبهها النبي صلي الله عليه و سلم إلى نسخه ..
الخلاصة ...
وعلى هذا فإننا نقول إن رضاعة الكبير عن طريق وعاء خارجي , وأنها خاصة بسهلة رضي الله عنها , وأن الرسول عليه الصلاة والسلام ما أحلها إلا رحمة بسهلة رضي الله عنها في أمر احتجابها عن ابنها الذي قامت بتربيته لما نزل أمر النهي عن التبني وسبب حرجاً لها وضيقاً لأنها مأمورة بالحجاب وزوجها يغار عليها من الرجال الأجانب ثم نسخت رضاعة الكبير بقوله عليه الصلاة والسلام لعائشة في الحديث الذي رواه البخاري : " انظرن ما إخوانكن إنما الرضاعة من المجاعة " وغيره من الأدلة كما ذكرنا سابقاً..
و الرضاعة لا تكون إلا في الحولين وهو قول : أمهات المؤمنين وعمر بن الخطاب وعلي ابن أبي طالب وابن عباس وابن مسعود وجابر وابن عمر وأبي هريرة وسعيد بن المسيب وعطاء والشافعي ومالك ( رغم أنه أخرج الحديث في الموطأ ) وأحمد وإسحاق والثوري وأبو حنيفة والجصاص والطبري وكثير من علماء الأمة.