بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
أقول وبالله أستعين ، يثير العامة هذه الأيام قضية حول الشيخ عبدالمحسن العبيكان حفظه الله في فتوى جواز رضاع الكبير، وقد استند أهل البلبلة وحب الخوض في اللامعلوم والعلمانيين بالتحديد وغيرهم من الجهلة والذي يطبلون وراءهم على شهوانيتهم في تصور القضية وأبعادها. وكما تعلمون أنّ الشيخ من أهل العلم الأفاضل ومن لايجوز أن نتحدث فيهم ولا أن نقول فيهم شيئاً لجهلنا وقلة بصيرتنا في مثل هذه الأمور.
ولولا الإعلام والقيل والقال لما وصل الأمر إلى ماهو عليه من سب للشيخ وتعريض بأهله والله المستعان.
ويجب أن يعلم القاصي قبل الداني أنّ الطعن في عالم واحد يبيح للجميع الطعن في عالم آخر، وهذا ما يريده أعداء الاسلام في الداخل والخارج، ويهدفون تماما إلى القول بأن علماء المملكة إنما هم على هذا النحو.
لذا آمل أن يفكر المتحدثون هنا من أبناء صامطة ومن حولها في هذا الأمر ومن أراد القول الرشيد فل يقرأ في كتب أهل العلم، لا أن يتابع العبارات الساخرة وغيرها على قوائم المنتديات ومجالس اللهو فإن ذلك يفضي إلى كره وبغض هذا الدين والقائمين عليه من المخلصين العلماء وطلابهم.
وإنني في بحثي لهذا الموضوع أسأل الله أن يكون ذلك من باب الدفاع عن شيخنا الكريم عبدالمحسن العبيكان والذي اعتمدنا عليه في فتاوى كثيرة على مر سنوات عمره، فهو من أهل العلم المعروفين بعلمهم وحكمتهم، وشهادة مثلي في مثله مجروحة. وأهدف أيضاً إلى أن يسنتـنير من في قلوبهم مرض ومن يريدون الحق.
وقد توصلت إلى بعض الأمور التي آمل أن يستفيد منها الجميع، والله من وراء القصد.
أولا : _ هذا النص الذي سأسرده على صفحات، هو نص اقتضبته لأحد طلاب العلم جزاه الله عنا وعن الجميع خيرا وأسأل الله أن يرد الظال إلى جادة الحق وأن ينير القلوب والعقول .
( 1 )
يقول حول سؤال: هل يجوز إرضاع الكبير ؟
يثير النصارى هذه المسألة و كثيراً ما يتشدقون بها للطعن في الإسلام وشرائعه ألا وهي مسألة ( رضاعة الكبير ) , وقد أجاب كثير من الدعاة عن هذه الشبهة غير أننا أردنا جمع الردود حول هذه الشبهة بجواب شامل وممتع على طريقة سؤال وجواب ويناسب عامة الناس كما يناسب خواصهم ..
فإليكم الجواب :
1- كيف تتم رضاعة الكبير؟ وهل يرى بذلك عورة المرأة ؟
هنا نتمثل قول الشاعر :
وكم من عائب قولاً صحيحاً ..... وآفته من الفهم السقيم
نقول إن مباشرته للمرأة غير وارد , و إنما يتم حلب اللبن و يشربه دون أن يرى عورتها , وما ثبت بخصوص رضاعة سالم و هو كبير من قبل التي ربته سهلة بنت سهيل هو أنها حلبت لبنها في وعاء وأعطته ليشرب من الوعاء و هذا ثابت في طبقات ابن سعد ترجمة سهلة بنت سهيل , فعن محمد بن عبد الله ابن أخي الزهري عن أبيه قال كانت سهلة تحلب في مسعط أو إناء قدر رضعته فيشربه سالم في كل يوم حتى مضت خمسة أيام فكان بعد ذلك يدخل عليها وهي حاسر رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لسهلة» (الطبقات الكبرى8/271 الإصابة لابن حجر7/716 ) ـ آمل من القراء البحث في معجم الكلمات عن المفردات الصعبة زيادة في الحرص.
2- لماذا جاء الإسلام برضاعة الكبير؟
وذلك أن الصحابي الجليل أبو حذيفة رضي الله عنه كان قد تبنى سالما الذي يقال له سالم مولى حذيفة من أيام الجاهلية منذو صغر سالم , والتبني كان معروفاً في الجاهلية وفي بداية الإسلام كما تبنى الرسول صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ..
فلما أنزل الله تعالى في كتابه في زيد بن حارثة ما أنزل فقال " ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آبائهم فإخوانكم في الدين ومواليكم " رد كل واحد من أولئك إلى أبيه فإن لم يعلم أبوه رد إلى مولاه ..
وهنا بدأت القصة وحدث الحرج في بيت أبي حذيفة , فجاءت سهلة بنت سهيل وهي امرأة أبي حذيفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله كنا نرى سالما ولدا وكان يدخل علي وأنا فضل وليس لنا إلا بيت واحد فماذا ترى في شأنه فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضعيه خمس رضعات فيحرم بلبنها وكانت تراه ابنا من الرضاعة ..
3- ما الحكمة من الإذن برضاعة سهلة رضي الله عنها لسالم ؟
الناظر لهذه القصة بعين العقل يجد فيها حرجاً كبيراً على سهلة وزوجها رضي الله عنهما , فقد ربت سالم منذو صغره قرابة خمس عشر سنة , وكانت علاقتها معه علاقة الوالدة بابنها , فابتليت بهذا الحكم وسبب لها حرجاً وضيقاً , فهي مأمورة بالحجاب عن الأجانب , وكذلك زوجها يغار عليها من دخول الأجانب عليها , وكان في نفسه شيء من ذلك , ثم إنها لا تملك إلا بيتاً واحداً , فجاءت إلى النبي عليه الصلاة والسلام مستفتية عن حالتها , فأرشدها إلى ذلك ..
فلم يكن أمر رضاعة الكبير في الإسلام عبثاً كما يظن ذلك من انغمس في الحياة الشهوانية حيث أصبح لا يبصر الأمور إلا من خلال نافذة الشهوة , نسأل الله السلامة والعافية , وإنما جاء كحل لمعضلة وقعت في بيت من بيوت المسلمين وسببت حرجاً وضيقاً ..
فما أحلها الله إلا رحمة بالأمة في أمر احتجاب النساء عن أبنائهم الذين قاموا بتربيتهم لما نزل أمر النهي عن التبني ..
4- هل هذا الحكم كان خاصاً بسهلة ؟
انقسمت الارآء على ثلاث :
1- منهم من رأى أن الأمر كان خاص بسهلة فقط.
2- منهم من رأى أن الأمر كان لمن كان له مثل حالها و للرأي الأول و الثاني ذهبت أم سلمة و سائر زوجات النبي.
3- منهم من رأى أن الامر مطلق ( وإلى هذا ذهبت أم المؤمنين عائشة ).
والراجح أنه خاص بسهلة فقط ..
فهي الحالة الوحيدة التي نشأت عن حكم التبني الذي قررالقرآن تحريمه ، حيث كانت هذه الحالة قائمة وحاصلة فنزل التحريم طارئا عليها ، وأما في غيرها فغير متصور لماذا ؟
لأنه بقرار تحريم التبني أغلق الباب من البداية , فلا يتصور تعلق امرأة بأجنبي تعلق امرأة أبي حذيفة بسالم لعدم وجود السبب الذي أفرز هذا النوع من العلاقة وهو نظام التبني.
إذن فهي حالة لن تتكرر لعدم وجود سببها وهو التبني ، أو بتعبير أكثر احترافا لن يحتاج إلى الحكم لانعدام حصول العلة بتحريم التبني.
5- هل تحل رضاعة الكبير الآن ؟!
لا تحل وهو قول :
أمهات المؤمنين
عمر بن الخطاب
علي ابن أبي طالب
ابن عباس
ابن مسعود
جابر
ابن عمر
أبي هريرة
سعيد بن المسيب
عطاء
الشافعي
مالك ( رغم أنه أخرج الحديث في الموطأ )
أحمد
إسحاق الثوري
ويرى الجصاص هو والشافعي والطبري وكثير من علماء الأمة بنسخ حكم رضاع الكبير حيث يقول وقد ثبت عندنا وعند الشافعي نسخ رضاع الكبير ..
وبالتالي فإن آراء من يقول بأن رضاع الكبير يُحرم كالنسب , فإنه على الخطأ فالدليل وجمهور الصحابة فضلا عن التابعين وتابعي التابعين والأئمة الأعلام أن الرضاع المحرم هو ما دون السنتين وقال أبو حنيفة سنتين ونصف السنة إحتياطا فقط لا غير…فإجماع الصحابة إجماع للأمة ومن قال برضاع الكبير فهو قول شاذ كما ذكر العلماء.
والدليل على ذلك هو صريح قول الله تعالى : (( وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ ))
ولقوله صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها : (( إنما الرضاعة من المجاعة )) أي إن الرضاعة التي تجب هي ما كانت في فترة صغر الطفل كي يكون هذا اللبن سبب في بناء لحمه فتكون المرضعة قد أنبتت من لبنها لحم الطفل كما الأم تنبت من رحمها لحم الطفل فتكون العظم المرضعة كالأم في هذا الحين ..
وفي الترمذي وصححه عن أمسلمة مرفوعاً : (( لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام ))
وللدارقطني عن ابن عباس يرفعه : (( لا رضاع إلا في الحولين ))
ولما روى أبو داود بإسناد صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه ، قال :( لا رضاع إلا ما شدّ العظم ، و أنبت اللحم ) فقال أبو موسى : لا تسألونا و هذا الخبر فيكم.
ولما في موطأ مالك أنه: ( أبى سائر أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس وقلن لا والله ما نرى الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم سهلة بنت سهيل إلا رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في رضاعة سالم وحده لا والله لا يدخل علينا بهذه الرضاعة أحد فعلى هذا كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في رضاعة الكبير. )
فهل معنى ذلك أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها كانت تدعو لأمر حرام؟!
نقول بالطبع لا..
ولكن حدث نسخ لهذا الأمر ..
و الكل أجمع في الثلاثة أراء المذكورة آنفا أن هذا الأمر بتحليل رضاعة الكبير كان لفترة عارضة إلا السيدة عائشة رضي الله عنها .
فاذا أثبتنا أن السيدة عائشة – رضي الله عنها - نفسها اعترفت بهذا النسخ فلا مجال إذن لحجج النصارى ..
فكيف لنا اثبات ذلك؟! >> تابع