ولكن !!!
أشرف المصري اتكأ, وفي المشهد الأول فقط، على صفة (الطيبة).. طيبة البلد والناس في صامطة, بغض النظر عن المعنى المجازي للطيبة, ليتحول إلى وضعية الكاتا عبرأعنف الإسقاطات المغايرة للطيبة, ولم يكن المُسقَط عليه إلا ذلك البلد الطيب نفسه! وأولئك الناس الطيّبين أنفسهم!
حتى هذه الطيبة التي أشك كثيرا في حقيقتها مقابل معناها الآخر المبطن والذي يعكسه إن لم يؤكده السياق.. أقول حتى هذه الطيبة سبّق لها بملامح مضادة حدّ المفارقة!
أشرف: ما عنديش مانع يا شيخ انتوا بلد طيب وأهالى طيبين.
حلو.. نحن بلد طيّب وأهالي طيّبين. لكن في الحوار السابق لهذا المشهد وجه مغاير تماما للوجه الحلو السابق للبلد والأهالي الطيبين:
أشرف: ما لك يا شيخ حاسس انك زعلان
الشيخ: والله يا ابني احتاج ولد منهن يكون قريب مني ويساعدني فيامزرعة لكن ما لقيت!
طبعا الحوار هنا بينه وبين عمه يحيى (الذي حسّ هو) أنه زعلان, وكأن إحساس الناس بمن حولهم هو الآخر انعدم تماما من المحيطين بالعم يحيى من أهل صامطة وخصوصا أصدقاءه وجيرانه وأهل بيته الأقربين.. الحوار عن الأولاد, أولاد العم يحيى, وهم طبعا أولاد وجيل صامطة الجديد..
هؤلاء الأولاد وهذا الجيل (اللي مفروض أنهم طيبين) بدا أنهم خلاف ذلك تماما حسب دراماتيكية عم أشرف الموغلة بهم في حضيض التمرد على الواجب والارتداد عن القيم والعادات والصفات الأصيلة! فهم (مصدر زعل أبوهم) وهم (احتاج لهم أبوهم) والمفروض أنه في ظل وجودهم لايصل به الحال إلى أدنى درجات الاحتياج, ومع ذلك احتاجهم ولم يجدهم! , وهذه كلها إسقاطات مثيرة, وكان أن تكون مثيرة وحسب, ولكنها تتجاوز الإثارة إلى الاستفزاز الصارخ وهي تأتي على لسان العم يحيى وليس على لسان أشرف! تماما على طريقة المثل القرآني (وشهد شاهدٌ من أهلها)
وفي آخر المشهد الأول يدور الحوار التالي:
الشيخ: هيا مع السلامة ولا أوصيك.
أشرف: دنا ابنك وانته عارفني يا شيخ.
والمعنى أيضا مُبَطّن وذو أيحاءات مستفزة للغاية..
فالعم: (لا أوصيك) وكأنه لايوجد في أولاده وفي الجيل عموما, من يُعتمَد عليه !
وهو: ( دنا ابنك) اللي تعتمد عليه صح/ و (انت عارفني) راجل بجد مش زي أولادك ولا أولاد صامطة اللي واللي واللي الخ الإيحاءات المجحفة.
//
المشهد برمته مجحف ويمكن وصفه بالطامة.. وهو على العموم مسلط على إنسان صامطة وربما إنسان البلد كله, وفي سياقه أيضا المشهدان الثاني والثالث بما فيهما من إسقاطات مشابهة :
أشرف: كلنا كبرنا يا شيخ حتى انا ما عدتش أشرف اللي زمان .. عندكم من هو اقوى واصلح منى.
الشيخ: لكن فينه ؟
كما قلت: المشهد طامة. لكنني عن عمد تخلّيت عن وصفها بالكبرى, لأن الطامة الكبرى قياسا على ماتقدم هي المتعلقة بالمشهد الرابع.. إنه فعلا الطامة الكبرى.
إنه مشهد الإسقاطات السلبية المشتركة.. على البلد الطيبة والناس الطيبين معًا :
أشرف: هو إيه ده اللي باشوفه!! أنا فى صامطة و لا حرض يمنيين كتييير ناس فوقالسيارات وفوق هناجر السوق!
هو في الواقع لم يرد أن يقول فقط إنها بلد مفلوتة.. وهي ليست مفلوتة.
بل أراد أكثر من ذلك! إنها بحسب عم أشرف: إما بلد مسروقة وإما بلد محتلة.. وهي ليست كذلك.
تمر سيارة شباب مسرعة كادت تدهس أشرف
أشرف: الللل إيه ده شباب طايش!
لم تمر سيارة نظامية أو على الأقل عاديّة السير ! ولم يكن في السيارة شباب متزنون !
لم تمر سيارة سلطان محمد عسيري حلوي ولاسيارة محمد عبدالرحمن جردي ولاسيارة عبدالرحمن عبده مباركي!
لم تمر سيارة أحدهم وفيها ثلة من شباب وأبناء لايقلون عنهم أخلاقا وقيمًا وأصالة !
ياااه ياعم أشرف لو عرفتَ هؤلاء ولو مرّ من جانبك هؤلاء وشباب أكثر من الرز, مثلهم, في الاتزان والاستقامة والأخلاق والأدب ومعرفة حق الله والناس !
//
ولكن ماذا عن الباقي ؟!
باقي المشهد أكثر إساءة - للبلد والناس - من أوله !
موظف البلدية (عابر سبيل) مجرد من الوطنية والمسؤولية والضمير.. وإلا مامعنى أن يمر موظف البلدية من أمام المخالفات والمخالفين وكأنه عابر سبيل؟!
السوق/ البلد, حسب عم أشرف يُمارَس فيه النصب عيني عينك ومامن رقيب ولا رادع ولايد من حديد! وإلا مامعنى أن تُعبّأ و تُباع في سوق الناس الطيبين قوارير المياه المغشوشة ؟!
فعلا ناس طيبين !
الأسوأ من كل ذلك انعدام الأمن الذي هو ضمانة العيش والارتزاق الكريم في أي مكان على وجه الأرض.. الأمن معدوم في بلد الناس الطيبين فهو يُسرَق في عز النهار وهو يشتكي على عناصر الأمن ولامن سامع ولا من مجيب !
//
هل كل هذا طاش ياعم أشرف ؟!
أم هو عالم القصة وأدوات القصة؟
ترى هل تتقبله أنت مني تجاه ناسك وبلدك على أنه طاش أو قصة وأدوات قصة؟!
..