أقسسم متألقه ياياقوته
معاني الكلمات :
لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ : من "ألف" نقيض "أوحش"، يعني من أجل أن جعل الله الحرم وطرقه آمناً حتى ألف قريش أن يذهب إلى الشام وإلى اليمن في أمن ودعة بلا استيحاش وخوف .
إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء : أي رواحهم في الشتاء إلى اليمن لأجل التجارة .
وَالصَّيْفِ : أي رواحهم إلى الشام لأجل التجارة .
سبب النزول :
في تفسير القمي في قوله تعالى: «لإيلاف قريش إيلافهم» قال: نزلت في قريش لأنه كان معاشهم من الرحلتين رحلة في الشتاء إلى اليمن، و رحلة في الصيف إلى الشام، و كانوا يحملون من مكة الأدم و اللب و ما يقع من ناحية البحر من الفلفل و غيره فيشترون بالشام الثياب و الدرمك و الحبوب، و كانوا يتألفون في طريقهم و يثبتون في الخروج في كل خرجة رئيسا من رؤساء قريش و كان معاشهم من ذلك. فلما بعث الله نبيه استغنوا عن ذلك لأن الناس وفدوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و حجوا إلى البيت فقال الله: «فليعبدوا رب هذا البيت - الذي أطعمهم من جوع» لا يحتاجون أن يذهبوا إلى الشام «و آمنهم من خوف» يعني خوف الطريق.
بيان السورة :
تتضمن السورة امتنانا على قريش بإيلافهم الرحلتين و تعقبه بدعوتهم إلى التوحيد و عبادة رب البيت و لمضمون السورة نوع تعلق بمضمون سورة الفيل .
على أنها معارض بما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الله فضل قريشا بسبع خصال و فيها «و نزلت فيهم سورة من القرآن لم يذكر فيها أحد غيرهم : لإيلاف قريش».
سؤال يُطرح : هل سورتي قريش و الفيل سورة واحدة ؟
الحديث على أن الفصل متواتر أي أنهما سورتان منفصلتان .
و أما القائلون بعدم الفصل من الشيعة فاستندوا فيه إلى عدة روايات منها ، عن أبي العباس عن أحدهما (عليهما السلام) قال: ألم تر كيف فعل ربك و لإيلاف قريش سورة واحدة . وهي رواية ضعيفة لما فيها من الرفع.
ما في المجمع، عن العياشي عن المفضل بن صالح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلا الضحى و ألم نشرح و ألم تر كيف و لإيلاف قريش .
وهذه أدل على كونهما سورتين منها على كونهما سورة واحدة حيث قيل: لا تجمع بين سورتين ثم استثنى من السورتين الضحى و أ لم نشرح و كذا الفيل و لإيلاف.
وهذه الرواية الشريفة تبين لنا حكم فقهي وهو : جواز القَران ( اجتماع ) بين سورتي الضحى و ألم نشرح و سورتي الفيل و لإيلاف في ركعة واحدة من الفرائض دون غيرهن من السور .نأتي إلى الآيات :
بما أن البعض يقول بفصل السورتين عن بعضهما و الآخر يقول بعدم ذلك سيكون هناك تفسيرين ..
أولهم : تفسير الآيات كسورة مستقلة عن سورة الفيل ..
قوله تعالى: «لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء و الصيف» الألف بكسر الهمزة اجتماع مع التئام / الألفة.
و قريش عشيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و هم ولد النضر بن كنانة المسمى قريشا، و الرحلة حال السير على الراحلة و هي الناقة القوية على السير ، و المراد بالرحلة خروج قريش من مكة للتجارة و ذلك أن الحرم واد جديب لا زرع فيه و لا ضرع فكانت قريش تعيش فيه بالتجارة، و كانت لهم في كل سنة رحلتان للتجارة رحلة في الشتاء إلى اليمن و رحلة بالصيف إلى الشام، و كانوا يعيشون بذلك و كان الناس يحترمونهم لمكان البيت الحرام فلا يتعرضون لهم بقطع طريقهم أو الإغارة على بلدهم الأمن.
و قوله: «لإيلاف قريش» اللام فيه للتعليل، و فاعل الإيلاف هو الله سبحانه و قريش مفعوله الأول و مفعوله الثاني محذوف يدل عليه ما بعده، و قوله: «إيلافهم رحلة الشتاء و الصيف» بدل من إيلاف قريش، و فاعل إيلافهم هو الله و مفعوله الأول ضمير الجمع و مفعوله الثاني رحلة ، و التقدير لإيلاف الله قريشا رحلة الشتاء و الصيف.
قوله تعالى: «فليعبدوا رب هذا البيت» الفاء في «فليعبدوا» لتوهم معنى الشرط أي : أي شيء كان فليعبدوا رب هذا البيت لإيلافه أيام الرحلتين أو لتوهم التفصيل أي مهما يكن من شيء فليعبدوا رب هذا البيت ، فهو كقوله تعالى: «و لربك فاصبر»: المدثر: 7.
و محصل معنى الآيات الثلاث ليعبد قريش رب هذا البيت لأجل إيلافه إياهم رحلة الشتاء و الصيف و هم عائشون بذلك في أمن.
ثانيا : تفسير الآيات كسورة مكملة لسورة الفيل ..
على تقدير كونها جزء من سورة الفيل متممة لها فذكروا أن اللام في «لإيلاف» تعليلية متعلقة بمقدر يدل عليه المقام و المعنى فعلنا ذلك بأصحاب الفيل نعمة منا على قريش مضافة إلى نعمتنا عليهم في رحلة الشتاء و الصيف فكأنه قال: نعمة إلى نعمة و لذا قيل: إن اللام مؤدية معنى إلى و هو قول الفراء.
و قيل: المعنى فعلنا ذلك بأصحاب الفيل لتألف قريش بمكة و يمكنهم المقام بها أو لنؤلف قريشا فإنهم هابوا من أبرهة لما قصدها و هربوا منه فأهلكناهم لترجع قريش إلى مكة و يألفوا بها و يولد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فيبعث إلى الناس بشيرا و نذيرا هذا، و الكلام في استفادة هذه المعاني من السياق.
قوله تعالى: «الذي أطعمهم من جوع و آمنهم من خوف» إشارة إلى ما في إيلافهم الرحلتين من منِّه الواضح و نعمته الظاهرة عليهم و هو الإطعام و الأمن فيعيشون في أرض لا خصب فيها و لا أمن لغيرهم فليعبدوا ربا يدبر أمرهم أحسن التدبير و هو رب البيت.
هذه السورة استجابة لدعوة خليل الله إبراهيم عليه و على نبينا و آله أفضل الصلاة و السلام حين توجه لله داعيا بعد بناء البيت و تطهيره : " رب اجعل هذا البلد آمنا و ارزق أهله من الثمرات " فجعله آمنا وعتيقا من سلطة المتسلطين و جبروت الجبارين .