زكاة الفطر تتبع جسد المسلم
بقلم/فضيلة الشيخ د. عمر بن سعود العيد * جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
شرعت زكاة الفطر في شهر رمضان المبارك، فهي كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم طهرة للصائم بمعنى أنها تطهر صيام العبد مما وقع منه في هذا الشهر من الرفث والفسوق، ومن المعاصي وتكون أيضاً سداً للخلل والنقص الذي وقع في رمضان، وكونها في يوم العيد لحكمة عظيمة، حيث يفرح المسلمون كلهم بصيامهم ويغتني بها الفقراء والمساكين، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اغنوهم في هذا اليوم عن الطواف" أي عن طلب المسألة حتى يخرج الفقراء والمحاويج فرحين مسرورين لا يمدون أيديهم ولا يذلون أنفسهم لأحد من الخلق لأنهم أعطوا من هذه الزكاة.
وفي وجوبها عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة" (متفق عليه)، وغير المكلف يؤديها عنه من تجب عليه نفقته. وأما المقدار الواجب لزكاة الفطر فقد ثبت في الصحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كنا نعطيها - يعني صدقة الفطر - في زمان النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب" (متفق عليه).
هذه الأصناف التي ذكر العلماء أنها تخرج من طعام البلد الذي يقتات ويدخر ويبقى ليستفيد الناس منه، ولا يجوز إخراجها مالاً وهذا هو القول الصحيح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام تسعة رمضانات ولم يخرجها مالاً إطلاقاً. وأما مقدار الصاع بالكيلو، فإن الشيخ ابن باز - رحمه الله - يرى أنه ثلاثة كيلو جرامات ويرى أنه الأحوط.
أما وقت إخراجها فيجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، والسنّة والأفضل إخراجها قبل صلاة العيد، فإذا خشي أن تتأخر أو لا يدرك الوقت يخرجها قبل العيد بيوم أو يومين، ومن أخرجها بعد صلاة العيد بلا عذر فإنها تعد صدقة من سائر الصدقات، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" (رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم).
ويتحرى الإنسان أن يعطيها أهلها وأصحابها وهم الفقراء والمساكين الموجودون في بلده، وأما مسألة نقل زكاة الفطر، فإنها ـ كما يظهر ـ لا تُنقل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يغني المسلمون في كل بلد فقراءهم، فإذا اغتني فقراء بلد ما فلا مانع من نقلها لأقرب مكان فيه الفقراء والمساكين، فالأصل أن الكل يؤدي زكاته في بلده الذي هو فيه وفي هذا إظهار هذه الشعيرة العظيمة. وهذه الزكاة تتبع جسد المسلم ولا تتبع بلده أي بمعنى أن الإنسان لو قدم من مصر مثلاً وهو سيصوم رمضان في المملكة نقول يؤدي زكاة الفطر في المملكة، والعكس بالعكس، إلا إذا كان الناس قد استغنوا فلا يظهر بأس من نقلها إلى أقرب مكان فيه فقراء ومساكين، ففي أمر الزكاة لما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن قال: "وأخبرهم أن عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم" كما أنه لا بأس من نقلها إذا اضطر الناس كأن يكون نزل بالمسلمين جائحة أو مصيبة أو غيرهما في بلد آخر يمكن أن تخرج إليهم من باب الإحسان إليهم والمصلحة العامة. والحكم في إخراج الزكاة من بعض الأطعمة المصنعة "كالمكرونة" مثلاً، فنقول: إذا كان وزنها ثلاثة كيلو جرامات فلا بأس بذلك لأنها قوت بلد تُدخر.