ذات مساء...
وكعادة مرورهم الصيفي من كل عام بقريتنا الرابضة في ركن سحيق في الشمال...
مروا بمنزلنا...
بدت النبضات مني عجلى تركض بعد أن أطمئنت على سكون كل الأعضاء فيما عدا قلبي النابض والراكض للترحاب بهم
حضنتني بحنان أمه الغالية عند دخولها ...كم تبدين رائعة كعادتك..وجهك يشع نورًا وبهجة _تحيتها المألوفة لي_ ...هذه خرافك أليس كذلك؟ لقد كبرتْ كثيرًا منذ رأيتها في العام الماضي ...
تبسمتُ في صمت...
إذ أن تلك الخرفان إن هي إلا إخوة وأخوات وعمرها لا يتجاوز الثلاثة أشهر ...
ثم همستْ في أذني :...قصدتك يا ابنتي فلا ترديني ...فكم أثق في ذوقك ولمسات يدك الرائعة ...
هذه حقائبها بكل ما تحتاجين إليه ...وهنا فستانها الأبيض ...وهذه مسكة يدها ومسكة شعرها اللامعة ...
هاااا , كدت أنسى هنا في هذا الكيس الصغير (أنفاس) إنه العطر المفضل لدى ولدي أكرميها من رذاذه...
هززت رأسي – نعم – فهمتُ... وتبسمت وأنا أحاذي جسدي بدفة الباب فقط أريد أن أبقى واقفة..
بضعة دقائق مرت دون حراك مني بعد مغادرتها لمجلس الاستقبال في ناحية أخرى من المنزل حيث أمي في استقبالها...
أخذت نفسًا عميقًا ثم التفت إلى العروس فوالله ما رأيتها..!!!
وجدت مرآة أمامي ...فتحت تلك الحقائب بهدوء ... وبدأت أتأمل تلك المرآة كيف سأبدأ؟
وتلاشى من حولي كل شيء
كل ما حولي تهمش وغدتْ تلك المرآة لوحتي
بدأت أسرح شعرها الناعم...
قرأت قصصًا شتى مع كل خصلة من شعرها رأيت بها كم كانت طويلة سنوات الانتظار
ثم انتقلت لأرسم عينيها فأبحرت مع ذكرياتي المؤلمة ...
يا للبؤس ويا لتهتك أشرعتي..
كم أنفقت وقضيت كثيرًا في نسجها
سمت بهاأحلامي وأمالي
وغدت أشلاء...
لم أعهد أناملي خفيفة ودقيقة هكذا ..انتهيت سريعًا أو أن الزمن قد توقف نهائيًا فبدا لي هكذا أمامي ..
أخذت أفرش المساحيق على خدودها الناعمة ... يا لبراعتي!
كم كانت ناعمة تلك المساحيق كالرمال على شاطئ الذكريات ...مسحت برفق وفي الحقيقة كنت ألعب باصابعي ...هنا على هذا الشاطئ كنا وكنا
عدت لواقعي وقد غدت المساحيق دافئة بين أصابعي
وعلت البرودة أنفاسي
لم يمهلني الوقت كثيرًا ولم يكن التخمين صعبًا
نعم عرفت مصدرها
توقف نبضي..
ووقفت مني الأنفاس.