أم اللول :
أدرت (cd) , وأطفأت النور, زرعت شموعاً في أركان حجرتي , ثم أتكأت على أريكتي السوداء المطرزة بالمخمل الأرجواني , وأشعلت سيجارة .
أنصت برهة لإستفهاماتي الملحة لماذا أصر على سماع قارئة الفنجان في هذه الساعة , هل أستسلم للنوم أم ألتقي أم اللول , فهاهي أصدافها تتأهب لتؤدي ( وصلتها ) و حبات ( البوح والصنب ) تتدلى في غنج من ضفائر أم اللول ) .
فاحت رائحة وشم استقر على ذقن عرافتي , وعندما جلست على مؤخرتها الكبيرة اهتزت أركان وشمها وأعُيدت ترتيب الخطوط الخضراء الدقيقة , شيء ما يضرب الوشم شيء ما يريد أن يأخذه عنوة . !!!
وشم أم اللول ولد من التراب والنار , وعندما كان صغيراً أرضعته أم اللول الشمس , في هذه الأثناء صرخت أم اللول في وجه الأرواح ممتزجة صرخاتها بدهشة ( الودع ) واشتعلت سياط الأسئلة .
لماذا لا يطلق صفارة البدء ؟ ما الخطب ؟ ما لذي ينوي فعله هذا الرجل ؟ هل جاء بي إلى هنا ليستمع إلى حليم وأنا أنظر إليه ؟ أم أنه يريد أن أعيد أغنية حليم بصوتي المبحوح ؟ بهذا كانت أم اللول تحدث نفسها .
كنت أتعمد استفزاز الأرواح , وأسمعها وهي تشتكي ظلمة التساؤل , وأرى سهام الضجر تطيش .
عرافتي تئن يعتصرها التهميش , تفور وتنطفئ وتهتز معها في كل حركة أعضاءها المتهدلة .
حاولت استراق النظر إلى فنجاني الشاخص وأطلت النظر , لم تطق عرافتي معي صبراً , وأقبلت نحوي تجر خطى وئيدة متثاقلة
وقالت :
ـ فراق بيني وبينك ـ
لم أبال باستفزازها حتى أتكلم وأحكي , طال صمتي , بدأت أم اللول تفقد كبرياءها وصبرها , طلبت من أصدافها أن تبدأ في استفزازي بحركاتها البهلوانية وتشقلباتها وقفزاتها العجيبة .
ماذا ستقرأ أم اللول , وهي متعبة ولم تستطع نسيان اللحظة التي جمعتها بأول فنجان عندما طارت الأرواح بالأصداف و استمرت تدغدغها والأصداف تقهقه تقهقه تقهقه , في هذه اللحظة باغتها بقولي : يا أم اللول هات فنجانك , أوقدت نارها أم اللول, وصبت زيتاً في القناديل التي ظمئت , ألقمت الظلام شجاعتها حتى انطفأ ثم تأملت فنجانها الذي طالما أشعل دمه على أحطاب المواقد وطالما تفقد العشب وهو آمن , ودق على النوافذ, وقبل أن تلقيه , رسمت له وشماً يشبه وشمها ثم ألقت به فجاءني جامحاً وسياط الفضول تلهب مؤخرته تمتطيه رياح بارقة
ضحكتُ بصوتٍ عال وكأن الأرواح بدأت تدغدغني أنا أيضاً
عندما وصل إلي أصبح أعزلاً مجرداً وصريحاً وبلا إجابة ... يتوسط كفي وثلاثة من أصابعي تلتف عليه في دعة
تعالتْ دقات قلب أم اللول .
قلبتُ الفنجان وسالتْ على صحنهِ الصغيرِ أسرارٌ , وشمسٌ , وجسرٌ , وخصلاتُ شعرٍ , ورياحٌ , ونقوشٌ أسرّتُها جميعاً وبات الاستيلاء عليها وشيكاً .
وأم اللول تشاهد فنجانها وتشخص ذهولاً وهي تراه يقطر قطرات متلبسة وتزداد ذهولاً عندما بدأ يهذي .... محاولاً النجاة ...
مددت يدي نحو الفنجان ورفعته صوب الشمس فجأة خرج منه رجل نحيل جداً وأخذ يقرع طبلته ويرقص ويتمايل وينكس رأسه ثم يرفعه مع نفض شعره الطويل ( المزقر ) شاركته أم اللول الرقص حتى ارتفعت ملابسها الفضفاضة , ظهرت ( تنورتها ) القصيرة الملونة معلنة عن رغبات كثيرة بعضها أعرفها , وبعضها تعرفها أم اللول , وتحركت صدفاتها المصلوبة في آخر ضفائرها مصدرة صوتاً تناغم مع صوت الطبل تريد حريتها هي الأخرى , هي الأخرى تريد أن تشرب الشمس , وتعبر الجسر, واعتلت صهوة جوادها بعد أن نفضت غبار خوفها , تاركة ضفائر أم اللول تتقيأ الأرواح , ذلك الوقار الذي نعمت بها أصداف أم اللول تحول إلى فوضى ثم التزمت أم اللول رقصة الخطى المتباعدة مع رفع ساعدها قدر شبر عن خصرها غير مبالية أنها حنثت بقسم الأرواح , حررت جسدها من قيودها برقصاتها , وأنا أنادي أم اللول , أم اللول , و أم اللول محلقة في عوالمها ممتزجة بأحلامها المرتعبة , كانت أم اللول صوت بالكاد يكمم صداه .
كانت تتصبب عرقاً , ووشمها يضيء , وصدفاتها دوختها حرية تقاسمها الفرح والحزن والسؤال .
تدفن أصدافها وترش عليها بالماء وتنثر حبات البن الموسومة وقليل من ثرثرة فنجانين لمارة ..
تحولت أم اللول بوجهها نحو الجهة الأخرى ...
ثمة باب ...