رغم أن الإنترنت أصبح الزاد اليومي في مجالَيْ التثقيف والتعليم لكثير من شرائح المجتمع، خصوصاً فئة الشباب، إلا أن البعض ما زال يُصرّ - وبدون استناد إحصائي أو دليل بحثي – على أن الصحف الورقية ما زالت متسيّدة الموقف الإعلامي بقدرتها الفائقة على شدّ أهداب عيون القراء، إلا أن الدلائل تشير إلى عكس ذلك؛ فثمة زحف مهول من القراء يتجهون صوب الصحف الإلكترونية "الرقمية"، ويمكن القول إنها – أي الرقمية - تفوقت على كثير من الصحف الورقية الواسعة الانتشار؛ بدليل أن نسبة توزيع بعض الصحف الورقية أخذت تتراجع وبشكل واضح عاماً بعد عام، وهذا مؤشر طبيعي؛ إذ تميل الأجيال الصاعدة إلى كل ما يمت للتقنية الحديثة بصلة، خصوصاً التسوق والتجوال في عالم الإنترنت من أجل الإبحار المعرفي والثقافي والإعلامي والاستثمار التجاري والتعليمي.
هذا التفوق الملحوظ للصحف الإلكترونية جاء لأسباب عدة، أولاً: لتميزها بسرعة التقاط ونشر الأخبار والتقارير المتنوعة ساعة حدوثها ومن أية بقعة في العالم، فضلاً عن تقديم المادة الخبرية بالصور المتحركة المباشرة، وهذا ما تعجز عنه الصحف الورقية؛ إذ إنها تحتاج مدة ما بين اثنتي عشرة ساعة إلى أربع وعشرين ساعة لتقدم المادة الخبرية للقارئ, وهذا ما جعل الأخبار في الصحف الورقية محروقة أو بحسب المصطلح الإعلامي الدارج "بايتة"؛ فالمتتبع لأي خبر مهم أو حتى عادي لا يحتاج إلى انتظار طويل وممل, بل سيحرص على الوصول إلى الخبر بالوسيلة الأسرع والأقل تكلفة مادية.
وهذا الزحف الإلكتروني نجم عنه ظهور الكثير من الصحف والمجلات الإلكترونية، وهي بطبيعة الحال متفاوتة المستوى, متباينة التنظيم؛ ويعود ذلك إلى مستوى الحِرْفة الصحفية لدى القائمين عليها. ويمكن القول إن بعض الصحف الإلكترونية أثبتت وجودها؛ لتميزها وتفردها ومصداقيتها وسرعة التقاطها الأخبار الموثوقة والطازجة.
هذا السباق طبعا غير متكافئ بينهما؛ فالإلكترونية أصبحت تعدو بسرعة البرق, والأخرى تمشي بسرعة السلحفاة؛ ما يدعو القائمين على الصحف الورقية إلى الانتباه لهذه الفجوة؛ لعدم قدرتهم على مجاراة الأسرع في نشر الأخبار كالصحف الإلكترونية؛ فالخبر يقرؤه آلاف الأشخاص في اللحظة ذاتها, في حين تنشره الصحف الورقية في اليوم الذي يليه وقد أصبح باهتاً بارداً مملاً يُولد الفتور ويضعف العلاقة بينها وبين القارئ، وفي هذه الحالة يمكن للورقية الاكتفاء بالتقارير الإخبارية الموسّعة, والتحليل المعمق من المختصين، كل في مجال تخصصه: سياسة, اقتصاد, رياضة, ثقافة.. وغيرها.
وبما أن الصحف الإلكترونية أصبحت الحصان الرابح في السباق حالياً، وبما أن بعض رؤساء تحرير الصحف الورقية اعترفوا بأن الصحف الورقية في تراجع, بل إن البعض نعاها كالأستاذ عثمان العمير رئيس تحرير صحيفة إيلاف الإلكترونية, فيما طالب الأستاذ جمال خاشقجي رئيس تحرير صحيفة الوطن سابقاً الصحف الورقية بالتحول إلى صحف "آي باد"؛ فإن ذلك يدفع مسؤولي الصحف الإلكترونية إلى مضاعفة الجُهْد من أجل تقديم مادة إعلامية مميزة, شريطة المصداقية، مع الانتقاء الجيد لمراسليها.
بقي شيء مهم: إلى أي مدى وصلت قناعة المعلنين بالصحف الرقمية؟ هذا الشيء الوحيد الذي يُغلب تفوق الورقية، إلا أن هذا في تصوري لن يدوم في ظل تنامي أعداد قُرّاء الصحف الإلكترونية، فضلاً عن تزايد الأجيال الرقمية التي حتماً ستصل إلى مواقع تجارية وقيادية؛ ما يكسر الحاجز النفسي ويُرجّح كفة المادة الإعلامية لصالح الرقمية بعد أن تتضاؤل أعداد مبيعات الصحف الورقية في سنوات ليست ببعيدة.
جمعان الكرت
عضو المجلس العالمي للصحافة