يكتب هذه الايام الاخ البراق الحازمي مقالات عن جازان وقد ابتدأ من السبت الماضي وهذه بعض من حلقاته
1/

تتشابه مدن منطقة جازان الى حد بعيد خاصة في مطالب سكانها واحتياجاتها التنموية فلو حملتك قدماك يوما للتجول في عدد من أشهر مدنها كصبيا وابو عريش وبيش وضمد وصامطة لوجدت تشابها كبيرا في حالة مداخل هذه المدن وشوارعها وأسواقها والأمر ذاته بالنسبة لسكانها فما ان تحاول تلمس همومهم ومعرفة ما يشغل بالهم حتى يحدثوك عن المطالب والاحتياجات ذاتها ويبثوك الشكاوى نفسها, ويكاد يكون الاختلاف الوحيد فيما تسمع هو (اللهجة).
الحال نفسه بالنسبة لقرى وهجر المنطقة المنتشرة على امتداد الساحل والسهول وعلى ضفاف الأودية حيث الهموم والآمال ذاتها.. لم ييأسوا من بثها وترديدها عبر عشرات السنين.
لذا.. في هذه الجولة حرصنا على ان نقف على (عينات) من هذه المدن والقرى و(الجبال) فالهم واحد والحاجة ذاتها.. وبعد ان وقفنا في حلقتنا السابقة على (البحر).. ها نحن اليوم نقف على (المدينة).
صبيا .. في التاريخ
يقول الهمداني في صفة جزيرة العرب (ان صبيا قرية من قرى مخلاف حكم) وذكرت ياقوت الحموي في معجم البلدان (ان صبيا قرية من قرى مخلاف عثر) واول من اختط مدينة صبيا الحالية هو الامير دريب بن مهارش الخواجي في عام 958هـ وكانت مساكنهم قبل ذلك في طرف الوادي الغربي في موضع يسمى (ابو دنقور) وذلك حسب ما جاء في التاريخ المسمى (الاسلاف في تاريخ صبيا والمخلاف). والى الشرق من مدينة صبيا القديمة بمسافة ثلاثة كيلومترات تقع مدينة صبيا الجديدة التي اخطتها محمد علي الادريسي عام 1338هـ ابان توليه الحكم في صبيا. وقد بدأت المسافة بين المدينتين تتلاشى نتيجة الامتداد العمراني. وتعد مدينة صبيا مركزاً تجارياً هاماً, وبها سوق اسبوعي (الثلاثاء) يعد من اكبر الاسواق بالمنطقة.
اما صبيا كمحافظة فهي تقع ضمن نطاق منطقة جازان على الخط عرض 170 درجة وخط طول 42 درجة وفي اتجاه الشمال الشرقي لمدينة جازان والتي تبعد عنها 40 كم, وتقع المدينة في الشمال الغربي من مدينة ابوعريش وتبعد عنها 30 كم تقريباً, ويخترق المحافظة من الشمال الى الجنوب الطريق الاقليمي جازان- جدة, وتعتبر المحافظة من اكبر المحافظات في المنطقة ويبلغ عدد سكانها (200) الف نسمة تقريباً.
الورش تربك مدخل المدينة
يلاحظ زائر مدينة صبيا ازدحام جانبي مدخل المدينة الرئيسي بالورش الصناعية مما يعد منظراً غير حضاري, اضافة لما ينتج عنه من ازدحام الطريق خاصة اوقات ذروة الحركة, ويتساءل عبدالله صايغ: الا يوجد تخطيط او نية لحل هذه المشكلة? ثم يشير الى ان توقف ازدواج طريق مدخل صبيا عند نقطة معينة (تقريبا.. بمحاذاة مبنى ادارة تعليم صبيا المستأجرة) وعدم استكمال تنفيذه الى الدوار الرئيس داخل المدينة ساهم في اختناق حركة السير من والى المدينة. ويؤكد محمد فايع عسيري ان ذلك يسبب ارباكاً مرورياً واعاقة لانسيابية الحركة خاصة خلال اوقات الدوام الرسمي. من جهة اخرى يشير هادي علي يحيى الى مشكلة الحوادث المأساوية المتكررة الناتجة عن عبور المشاة بين طرفي الشارع, متسائلاً: لماذا لا توضع جسور للمشاة على مسافات متباعدة في هذا المدخل الحيوي للمدينة مساهمة في حل هذه المشكلة?
الخطر الاكبر
تكاد الانفاس تكتم جراء الروائح الكريهة المنبعثة في ارجاء احياء عتيقة من مدينة صبيا, تتآكل الشوارع والارصفة من الطفح الآسن. اهالي صبيا قلقون على صحة اسرهم وعلى مستقبل مدينتهم, ويتساءلون متى تنتهي هذه المعاناة اليومية مع طفح البيارات الذي يترتب عليه انتشار البعوض والحشرات وتكاثرها بشكل خطير, ويطمح اهالي صبيا في بدء تنفيذ شبكة صرف صحي كحل نهائي لهذه المشكلة.
عبدالله صايغ, من سكان حي (المنامة) يقول: منذ سنين ونحن نعاني من مشكلة طفح (البيارات) وما تصدره من روائح كريهة فضلاً عن تكاثر اسراب البعوض والحشرات, ويضيف: حتى الارصفة والشوارع اصابها التآكل باستفحال هذه المشكلة, ونحن نخاف ان يتسبب ذلك في حدوث (انهيارات) لبعض مبانيها لاقدر الله. هادي علي يحيى يؤكد ما سبق قائلاً: نخشى على ابنائنا من هذه المجاري الملوثة والتي تهدد الصحة العامة والبيئة بشكل عام.ويشاركهم الرأي عبدالعليم خواجي والذي اشار الى ان هذه المشكلة تتفاقم في موسم الامطار وتعاني منها احياء بشكل اكبر من الاخرى. ويختم عبدالله صايغ الشكوى قائلاً: سكان صبيا يتساءلون عن امكانية تنفيذ شبكة صرف صحي للمدينة خاصة انها (كلها بيارات) تطفح وتؤثر على صحة البشر ونظافة الشوارع وسلامتها?
ويذكر عدد من الاهالي بانه سبق ان تقدم سكان الاحياء المتضررة اكثر من مرة بشكوى للجهات المختصة, ولا مجيب.
اكوام من النفايات
وفي جانب آخر يكشف هادي علي يحيى افتقاد سوق السمك ومسالخ الدجاج الى النظافة تماماً, مشيراً الى عدم وجود مكان مخصص لرمي بقاياها ومخلفاتها مما ينتج عنه اضرار صحية وبيئية. ويتساءل: ما دور بلدية صبيا في هذا الشأن?!.. كما يبدي عبده ضعافي تذمره الشديد من اكوام النفايات وبقايا ركام البنايات التي تتراكم في ارجاء المدينة.. ويضيف: بعض المواطنين دورهم سلبي في المحافظة على نظافة مدينتهم وسلامة بيئتها فتجدهم لايلتزمون بشروط النظافة ولا يتعاونون بوضع المخلفات في اماكنها المخصصة, كما ان بعضهم قد يعمد الى احراق النفايات خوفاً من اوبئتها وحشراتها, ولا يسلم السكان من سحب الدخان المضرة ولكن اثارها ربما تكون اخف من انتشار الاوبئة والحشرات. ويتساءل هو ايضاً: من المسؤول عن هذا الوضع?!
اشاعات المستشفى الجديد!
يعد مستشفى صبيا الجديد, المنتظر افتتاحه خلال العام الحالي احد ابرز المشاريع الصحية في المنطقة, حيث يتوقع ان تنتهي- مع بدء تشغيله- معاناة سكان محافظة صبيا والمحافظات المجاورة مع المستشفى القديم وما يشكله لهم من ذكريات أليمة سواء لتهالك المبنى, او لضعف الخدمات الطبية المقدمة التي ظلت كما هي لسنوات طوال بالرغم من تضاعف اعداد المراجعين والانتشار الواسع للكثير من امراض العصر (الخبيثة). ونظراً لفارق الخدمات والامكانات التي يتوقع ان يقدمها المستشفى الجديد للمرضى او للبيئة الصحية المحيطة, فقد تفاءل المواطنون خيراً, الا ان ذلك التفاؤل انقلب تشاؤماً لدى البعض نتيجة الاشاعات التي اصبحت تردد في المجالس عن تأخر موعد افتتاح المستشفى لاسباب تشغيلية من جهة, وعن تخفيض طاقته من (150) سريراً الى (100) سرير فقط, علماً بان هناك اشاعات سرت قبل ذلك عن توجيه صدر من جهة عليا برفع طاقة المستشفى الى (200) سرير.
وابدى كثير من المواطنين انزعاجهم من هذه الاشاعات في ظل عدم صدور ما ينفيها من أي جهة رسمية.
الاسواق .. مستباحة للمجهولين
تحولت شوارع واسواق مدينة صبيا الى مرتع مستباح للعديد من المتخلفين ومجهولي الهوية فهم يتنقلون من شارع الى شارع, ومن سوق الى آخر على أمل ان يجدوا من يستعين بهم لتشغيلهم مقابل ما تيسر من المال والطعام. لكن خطر الكثيرين منهم قائم فبعضهم دائم التسلح بما يحمله في يديه من هراوات او ما يخفيه في ازاره من سكين ونحوها, وهذا ما يقلق اهالي مدينة صبيا, بل المحافظة كلها خوفا على ابنائهم وبخاصة المراهقين منهم والاطفال.
عبدالله خواجي يرى ان انتشار هذه الظاهرة يجعل الاهالي في حالة ترقب وحذر دائم, وبخاصة مع تكرار حدوث السرقات والاعتداءات, وغالبا يكون الفاعل مجهولا (بلا هوية) وكثيرون منهم يسعون الى الحصول على المال باي طريقة كانت شرعية او غير شرعية.
ويشير علي عطار الى ان ما يلفت النظر في (المجهولين) ان معظمهم يتحركون في (جماعات) كأنما يشكلون فريقا لمواجهة ما. وهم في الغالب يقومون باعمال يكلفون بها جماعيا سواء في البناء او التحميل والتنزيل في الاسواق ونحو ذلك بارخص الاجور. ويقول: اذهب الى السوق - جنوب صبيا - وستجدهم بالعشرات داخل السوق وعلى ارصفة الشوارع المحيطة بها. ويضيف: وهذا ما يشجع بعض ضعاف النفوس من المواطنين لاستئجار هذه العمالة غير النظامية, غير مبالين بما قد يتسببون فيه من مشكلات ومخاطر, فهناك احتمال دائم ان يكون من بين هذه العمالة اصحاب سوابق سواء في تهريب المخدرات او السرقات او الاحتيال او الاعمال الاجرامية الاخرى.
ويشيد كل من الخواجي والعطار بالدور الامني في مواجهة هؤلاء المجهولين وتعقبهم ويدعوان الى المزيد من تكثيف الجهود وانتشار الفرق الميدانية من قبل الجهات المختصة, كما يوجهان الدعوة الى المواطنين لعدم الاستعانة بمثل هذه العمالة الخطرة وغير النظامية.
صور مكتوبة من الجولة
كم كانت دهشتي مما رأيت.. في جانب من مدينة صبيا, ساحة صغيرة يملؤها المراهقون والاطفال, هناك (سوق) للعرض والطلب, طبعاً لبيع القات, اثناء عبوري البطيء للساحة.. اشار لي احدهم بيده مقترباً من السيارة التي اركبها, فقلت له: ماذا لديك? قال لي - وهو يمضغ القات مبتسماً - وقد تنبه الى الكاميرا التي على المقعد بجواري: لا شيء ماذا تريد انت?.. وابتعد عني وهو يتلفت يمنة ويسرة باتجاه رفاقه المنتشرين في جنبات الساحة.. معظمهم يبدو عليهم من سحناتهم انهم متسللون مجهولو الهوية.
عصر اليوم التالي, عدت للمدينة, لم اكن وحيدا هذه المرة, كان في صحبتي صديقي (عبيد) ليرافقني الى (صبيا) كدليل عارف بمداخل المدينة ومخارجها. بعد عبورنا مدخل المدينة المزدوج, اتجهنا جنوبا في طريق ضيق محشور, بين البيوت المتداخلة وابوابها الصغيرة, الطريق ضيق محتشد بالسيارات, كانت حركة الناس المترجلة منها او الصاعدة اليها خفيفة, وحواراتهم البينية قصيرة. طلبت من مرافقي الانتحاء بالسيارة جانبا, وظللنا نرقب الموقف, فاجأني عابر وهو يحيي (المنتشرين) واحداً واحداً, بخطواته البطيئة, وهندامه الشعبي, ووجهه المبتسم, وكان يتعمد ترديد كلمات معينة كأنه يعلن البدء في نشاط ما, دفعني الفضول الى طلب الحديث اليه, فسألته: ايش عندكم? فجأة اخرج اوراق قات من باطن إزاره ليطلعني عليها!.. سألته: هل هناك افضل من هذا?.. قال متوجسا: (ألم يعجبك?).. والله طري!.. ثم عقب مشيرا الى بقية رفاقه: (كلهم ما عندهم الا مثل هذا.. تبغى والا لا)?!!
ويبقى السؤال مطروحاً: هل هناك أمل في خطوات عملية حقيقية لوقف هذا (المد) الذي يتهدد الأسرة والمجتمع (الجازاني)?
(المعصارة) صامدة
يعد السمسم من المحاصيل الزراعية الهامة في منطقة جازان, وغالبا ما يتم الاستفادة منه (عصرا) لاستخراج زيت السمسم منه, وهوما يسمى باللهجة المحلية (السليط). وبالرغم من مرورعشرات السنين ما زال الجمل يقوم بدوره في معصرة السمسم, حيث يقوم بإنجاز المهمة بطريقة الدوران بعد تثبيته بمحور رأسي في العصارة.
ويقول عبده حسين مكعكم انه واخاه (حسين) يعملون في هذه المهنة منذ اكثر من 45 عاما, ويشاركان سنويا في مهرجان الجنادرية بالـ(معصارة) واشياء اخرى من التراث, مؤكدا ان العمل بالمعصارة هومصدر رزق اسرتهم الوحيد. ويوضح عبده قائلا: سعر كيس السمسم (50كجم) يتراوح حسب العرض والطلب في المواسم بين 200-500 ريال بينما يباع زيت السمسم (السليط) بسعر 80 ريالا للجالون الواحد سعة 3 ليترات, وصافي دخلنا منه 2000 ريال تقريبا.
ويشير شقيقه حسين الى ان السليط يستخدم كثيرا لدى ابناء المنطقة لاغراض الطهي والطعام وفي معالجة بعض الاصابات العضلية وبعض امراض الاطفال والنساء.
مواسم صبيا.. ذهب وفل
لبياض الفل حضور دائم في مساء منطقة جازان, بمختلف مدنها وقراها, واشكال نظم الفل واسعاره تتقلب مع المواسم والمناسبات, فالـ(كبش) سعره (50) ريالا, وقد يصل سعره في الموسم والمناسبات (اعياد, زواج) الى 120 ريالا.
اما الذهب فلبريقه حضور خاص في فترات الاجازات في الصيف والربيع حيث تكثر مناسبات الزواج, وتزداد حمى شرائه او استبدال القديم منه بصرف النظر عن ارتفاع سعره الذي يعود لاسباب عالمية على حد قول عبدالقوي عامر -بائع ذهب- حيث يشير الى ان معظم الذهب يتم احضاره من الرياض وجدة والشرقية وكذلك من المشغولات البحرينية والاماراتية والكويتية.
ويقول عبدالقوي ان هناك مراعاة لمرتادي سوق الذهب بصبيا لانهم زبائن يتابعون الموضة ويترددون عليهم باستمرار, وليسوا من خارج المنطقة, موضحا ان المشترين من ابناء المنطقة يعتمدون على رواتب آخر الشهر والذين قد يعودون لاحقا لبيع او استبدال ما اشتروه موضحا ان الزبون البائع او المستبدل للذهب لا يخسر كثيرا لانه يبيع ويشتري حسب حال السوق.
وينفي عبدالقوي حدوث مشاكل مع الزبائن -ذكورا اواناثا- نتيجة لتكرار عملية الاستبدال او الارتفاع عند البيع للزبون وانخفاضها عند الشراء منه, مؤكدا ان زبائنه يتابعون الجديد شهريا وهم اصحاب ذوق في التعامل في هذا المجال.
ومشيرا الى ان السوق به محلات متخصصة في بيع ما يسمى بالذهب (المرشوش) وهو عبارة عن نحاس مرشوش بلون الذهب واسعاره رخيصة وله زبائنه وهم غالبا (شعبيون) دخولهم محدودة.