تنوع وثراء ينتظر الاستثمار
شـواطئ جازان بلا جلســات ولا مـــلاهــــي أطــفــــال
جولة وتصوير : البراق الحازمي
... ليالي جازان -من البحر الى الجبل- عبقة برائحة الفلّ, ومُزيّنة بلون الحناء, ومبطنة بهموم الناس البسطاء..
أهل المنطقة يتقوون على كدّ أول النهار بمرارة الملح, حيث يضفي على أحاديثهم وهمومهم مذاقاً خاصاً!
ومع حركة الشمس, وانحسار الظل شيئاً فشيئاً.. يمتزج طعمُ المرارة في حلوقهم بشيء من القناعة بالقليل, والرضا بما كُتب.. فإذا ما حلّ المساء, توّجوا رؤوسهم بعصائب الزهور والرياحين, وطوقوا أعناقهم بعقود الفلّ, (وضجّوا) قصيداً وغناء, مؤكدين أن الفلّ أشدُّ بياضاً -في عيونهم- من الملح!
عندما هممتُ بالقيام بهذه الجولة, احترتُ أي الطرق أسلك? هي من البحر تبدأ, ثم تتشعب في بطون الاودية, لترتقي الى أعالي الجبال..
طمأنت نفسي -مستنداً الى الذاكرة- بأن المسافة بين البحر والجبل -أياً كانت الطريق -عامرة بالاخضرار, وبعذوبة الماء, وبمواويل الشعر.. وتداعت الى ذهني صور وذكريات رفاق الزمن الجميل!
ذات (أيامٍ).. قبل 15 عاماً تقريباً, كمْ أخذت بنا الطرق, مع رفاق المدرسة, انها اللحظة ذاتها تتكرر, لكن مع تقادم العمُر.. وما أدراك ما تقادم العمْر!.
وعلى طول الطريق, الى فيفا أو بني مالك أو الريث, عيناك لا تبصران الا فضاءً رحباً, وسُحُباً, وجَمَالاً.. أينما نظرتَ يسري بك الخيال!
وها هي القرى والاودية لم تزل تجامل زائريها بلوحة ترحيبية هنا, أو بابتسامة طفل وطفلة هناك.. قرى حالمة, تنام على ضفاف الاودية وحواف الجبال بانتظار وعود التنمية! .. وحين تصل الى قمة جبل.. الصمتُ أجمل ما يكون من ذاك العلو!
الآن.. موسم الامطار والسيول, أهالي القرى المتناثرة هنا وهناك -وأنا ابن قرية- تتمازج مشاعرهم بين الفرحة بخيرات المطر, والخوف من عواقب سيوله. هتان المطر المتقطع يغسل من هموم الناس ما شِيء له.. لكن قائمة المطالب والاحتياجات صامدة, تمتدُ بامتداد اللون الاخضر, وتتجددُ ليلة اثر ليلة, تماماً كـ(ردائم) الفلّ!! وداعاً أيها الزمن الجميل.. وعودة الى أحلام ومطالب البسطاء التي لا ينفك أصحابها يؤكدون أنها (تتبخر) مع جريان السيول!! نعم.. نحن لا نملكُ أن نحققَ لهم أحلامهم ومطالبهم.. لكننا نملكُ أن نستمطرَها منهم.. نرصدها معهم, عاماً بعد عام.. وجيلاً بعد جيل, أملاً في أن يأتي يوم, لا يجدون فيه (مرارة الملح) الا في مذاق طعامهم وحسب! ومن الماء.. نبحر:
شواطئ للاستثمار
تقع منطقة جازان في الجزء الجنوبي الغربي من المملكة بين خطي الطول 42 درجة و43,8 درجة وخطي العرض 5,16 درجة و17 درجة, وتعتبر منطقة جازان من اكثر مناطق المملكة كثافة سكانية, ويتمثل ذلك واضحاً للعيان في العدد الكبير من ساكني المدن والقرى المتقاربة, والمنتشرة -في آن- في ارجاء المنطقة. (300) كيلو متر تقريباً هي أقصى مسافة تمتد بين شمال منطقة جازان وجنوبها, (القحمة) شمالاً و(الموسّم) جنوباً, اما ما بين الشرق والغرب فهو سهل تهامة الممتد لعشرات الكيلومترات, يحده البحر غرباً وجبال السراة شرقاً. هذه المساحة تعد من أغنى مناطق المملكة تميزاً بـ(ثرائها الجغرافي) حيث تنوع تضاريس المنطقة بين الجزر والشواطئ الساحرة الممتدة على طول السواحل, والسهول والاراضي الزراعية, ثم الجبال والمرتفعات الشاهقة التي تنبض بالخضرة والجمال.
هذا التنوع والثراء والتقارب في (الجغرافيا) انعكس ايجاباً على سكان المنطقة, لمساهمته في استمرار وتجدد أواصر التواصل والتداخل الاجتماعي والثقافي, وكان من الممكن لهذا التنوع والثراء -لو أحسن استثماره- ان يجعل جازان من اكثر مناطق المملكة قدرة على الحضور والتميز في مجال الجذب السياحي. لكن افتقار هذا (التزاحم) الجغرافي والسكاني الى كثير من مقومات التنمية الحقيقية انعكس سلباً على المستوى الاقتصادي للمنطقة, وشكل عامل طرد رئيساً لأبنائها باتجاه مناطق اخرى جاذبة وظيفياً وتعليمياً وصحياً.
وقد كان لرجال الاعمال ممن زاروا المنطقة في السنوات الاخيرة آراء تتلخص في أن من معوقات الاستثمار السياحي عدم استكمال شبكة الطرق بالمنطقة مما يؤخر قيام (عصر الاستثمار والسياحة) فيها, خاصة (الشريانين الاساسيين) اللذين يربطان جازان بمنطقة عسير ومنها الى الرياض ثم الخليج, وطريق جدة -جازان الدولي. كما اشار بعضهم الى افتقار بعض المناطق الغنية بالمناظر الطبيعية والآثار التاريخية بالمنطقة الى عناصر البنية الاساسية اللازمة الاستثمار السياحي, بالاضافة الى نقص مماثل في المرافق الصحية.
وفي السنوات القليلة الماضية, بدأت بوادر حراك تنموي يستهدف خدمات المنطقة وانسانها, وكثيراً ما عبّر صاحب السمو الملكي الامير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز, امير المنطقة, عن الطموحات المأمولة في مجال الاستثمار بهذه المنطقة, لافتاً الى الخصائص الطبيعية والفرص الاستثمارية التي تزخر بها في المجال الزراعي والسياحي والصناعي والمعدني والموقع الجغرافي للمنطقة ومينائها القريب من القرن الافريقي, الى جانب الخطط الطموحة للقيادة الرشيدة لرفع مستوى البنية التحتية بما يتواكب وما تشهده المنطقة من نمو سريع في مختلف المجالات. وكثيراً ما عبر أبناء المنطقة عن تطلعاتهم وآمالهم في تسريع وتنشيط وتيرة هذا الحراك, مشيرين الى انه في كثير من المجالات مازال يسير ببطء شديد, ويلمح بعضهم الى ان أي (طارئ) يحدث قد يوقفه تماماً, لتنتظر المنطقة سنين (طفرة) اخرى قد لا تأتي!
هنا.. اردنا ان نقف على بعض ما تحقق من منجزات من جهة, ولنساهم في الكشف عن ما يتسبب في بطء الحراك التنموي من جهة أخرى..زائر منطقة جازان, سائحاً أو مستثمراً , سيجد فيها ضالته بجوار شواطئها الرملية البكر وجزرها الساحرة, واوديتها السيّالة, وجبالها الخضراء ذات المناخ المعتدل اغلب اوقات السنة. اضافة الى احتوائها على فرص استثمارية كبيرة عند تحققها ستشكل عاملاً رئيساً من عوامل الجذب السياحي التي تتميز بها. تحتل السواحل مساحة كبيرة من اراضي منطقة جازان وتمتد الى ما يقارب (300) كيلو متر على امتداد البحر الاحمر. وتتميز برمالها الذهبية ومياهها الزرقاء الصافية, وتتنوع في مقوماتها الطبيعية. القليل من هذه الشواطئ, على استحياء, امتدت اليها ايدي الخدمات وأفكار التجميل فامتلكت مرافق محدودة. وأغلبها لم تمتد اليها يد الخدمات والتطوير, ولم تسترع انتباه رجال الاعمال والمستثمرين, ولذلك فهي خالية من أي مشاريع استثمارية تذكر, مع انها تتمتع بمقومات سياحية طبيعية كبيرة.. ولكن!
رمال ذهبية بانتظار الاستثمار
ومن هذه الشواطئ شاطئ مدينة جازان الذي زارته (عكاظ) والتقت عدداً من مرتاديه الذين تآزرت آراؤهم حول جوانب القصور التي يعاني منها الشاطئ. بداية يقول محمد عبدالله الحازمي وعلي هادي حكمي وعبدالحميد الحازمي: شاطئ مدينة جازان يتميز برماله الذهبية ومياهه الصافية, وعلى امتداد هذا الشاطئ هناك الجلسات التي باتت مقصد الكثير من طالبي (تغيير الجو) حيث يطيب فيها السمر وتجاذب اطراف الحديث في جو مفعم بالراحة والهدوء, مبينين ان نظافة الشاطئ -تكاد- تكون جيدة الا انه من الضروري توعية المرتادين في هذا الشأن. وتفعيل عملية مراقبة عمال النظافة من قبل البلدية مشيرين الى ان القصور في جانبي المتابعة والتوعية يؤثر سلباً على نظافة الشاطئ وتميزه.
http://www.okaz.com.sa/okaz/Data/200...Art_224304.XML