قد لا أملك ما يخولني التحدث عن النقد - نقد الغير أو الذات - من منطلقٍ علمي ٍ منهجي ..
لكن دائماً ثمة أمورٌ تجلس تحت مظلة البديهيات ... تلك التي يمكن لنا أن نبحث فيها وننشئ حواراً من زاوية ٍ معينة حولها ... ومن هذا المنطلق أبدأ ...
هناك ولا شك قواسم مشتركة ما بين شعوب العالم جاءت من كونهم بشراً على اختلاف جنسياتهم .. وبمقابل ذلك ثمة ما يميز شعوباً عن سواها من حيث الطبائع وطريقة التفكير وتقييم الأمور والمعتقدات إلى آخر ما هنالك ...
ولعل من أبرز ما يميز شعوب الشرق وتحديداً منطقتنا هو العاطفة .. تلك النعمة الآفة ...
نعمة ٌ لأنها رفعت من قدر تلك الشعوب إنسانياً .. وآفة لأنها أسدلت العديد من الستائر السميكة أمام بصيرتها ..
دخلت العاطفة في تكوين كرياتنا الحمراء .. وكرياتنا الحمراء تغذي أدمغتنا وأدمغتنا هي مركز أبحاثنا ومقر قيادة حواسنا ...
لذلك وبحسب العلاقة الرياضية المتعدية فقد تحولنا ككيانٍ يملك الفعل وردة الفعل إلى كيان ٍ عاطفي يفتقر إلى الموضوعية
تلك التي تستند إلى الحقائق في وصف وتحليل واستنتاج الأمور وإلى المنطقية تلك التي تستند إلى العقل ...
وبالتالي سقط العدل من أجندة قيمنا واختبأت شمس الحقائق خلف غيوم عواطفنا ..
لعل المسألة نسبية كماً وكيفاً ... لكنها واقعٌ نلمسه بشكل يومي بحسب تلك النسبة ..
تظهر عاطفتنا بأبهى حللها في الخصومات عندما نكون طرفاً ثالثاً ونبدأ بالتحيز اللا إرادي ..
تظهر في حواراتنا عندما تناغي تلك العاطفة ( الأنا )في داخلنا وتسلمها دفة ألسنتنا ...
وتظهر في تقييمنا أو نقدنا للأمور والأفعال والأشخاص .. وأود أن أقف عند هذه النقطة تحديداً لغايتها في الأهمية ...
فنقد الشيء هو تمحيصه بحيث تظهر إيجابياته وسلبياته وإن شاء الناقد أجرى موازنة ً بينهما واستخلص نتيجة ً أو صفة ً عامة لذلك الشيء
صحيح ٌ أو خاطئ .. سليم ٌ أو سقيم .. إيجابي أو سلبي شرعي أو غير شرعي إلخ ..
بصراحة أغلبنا لا يجيد فن التجرد ولا يحب أن ينظر للأمور بأبعد من موقعه .. وهذان شرطان أساسيان يجب أن يتسلح بهما الناقد قبل المباشرة ..
التجرد يتعب وجداننا والنظر إلى الأمور من موقع ٍ عال ٍ يتعب أقدامنا ..
قد يسخف أحدنا أمراً لمجرد أنه لا يوافق طبائعه أو مزاجيته .. مع أنه ضمنياً يدرك مكامن الخلل والضعف والسلبية في طبائعه ..
كل ما هنالك أنه جبُن أمام نفسه وما تجرد عندما طلب منه تقييم ذلك الأمر ...
قد يستهزئ أحدنا بردة فعل ٍ صدرت عن أحدهم ... لو حاولنا الابتعاد قليلاً بحيث ننظر إلى فعلة ذلك الشخص من خلال منظارٍ أوسع
لاكتشفنا ربما دافعاً إيجابياً يقبع خلف ردة فعله تلك ..
من يملك الجرأة في التجرد عن ذاته ونقدها ؟ شبه محال
فالأنا المقدسة القابعة في داخلنا والمدعومة من عاطفتنا ستحول دون ذلك ..وستبدأ على الفور بطلي الغشاوة على عيون بصيرتنا ..
وبرمجة عقولنا على بث الرضى في ضمائرنا ..
وهكذا ... ستبقى جميع حواراتنا معلقة ومتكررة إلى يوم يبعثون ..
وستصدأ موازيننا قبل أن تنتهي من إيجاد القيمة الحقيقية لبديهيات الأمور
وسيتجانس الصواب مع الخطأ في مجتمع العاطفة ..
وأخيراً ستنتشي الأنا على عرشها ثم يخرج أصحابها من دنياهم برصيد ٍ قوامه
طعامٌ استهلكوه .. وملبسٌ أبلوه .. وابنٌ أورثوه فنون جمع المأكل والملبس
وقطنة ٌ ناصعة البياض ناعمة الملمس .
...............
منقوووول بقلم الكاتب لهب .