المقال الذي اجبرسلمان العودة على الانسحاب من جريدة الجزيرة
التحولات الفكرية
عبدالله السعوي كاتب في جريدة الجزيرة
لبس فى بداياته, لبوس الثائر,الذي يحمل رسالة طامحة ,لالتفسيرالعالم فقط, بل لتغييره,وصياغة,شكله الخرائطي,مرة أخرى. بمنهج,تهييجي,وبلغة,تجييشية, أخذ بزمام المبادرة ,متواطئا مع رفاق دربه ؛كان يبدو مزهوا, بتجمهرالغوغاء,حوله,كان يشعربقمة السعادة عند تزاحم الأفواه للتنافس على تقبيل رأسه,لقد وجَدَ ذاته مابين عشية وضحاها, مغمورا بالأضواء, محاطا بكثافة جماهيرية طاغية ,يشكل إلتهاب أكفهابالتصفيق, الوقود الحي الذي يتحرك القائدالملهم, وفق إيقاعاته. كان (صاحبنا) يصنف من قبل عشاقه, بحسبه, سوبرستار, المشهد الدعوي,وكنتيجة طبيعية,لهشاشة عقلية الأتباع,وسذاجة وعيهم,كانومشدودين,إلى رنين مفرداته,وصخبهاالناري,حتى ولوكان على حساب الحقيقة المصادَرة هناباستمرار!, ولذاكانوايتفانون في سبيل جمهرة أعماله,والتسويق لأفكاره,وفق دعايات إعلانية, لاتكل عن التطبيل ؛كان(صاحبنا) في خطابه - الذي لايرشّد الفعل, بقدر مايذكي الإنفعال ـ كثيرامايُعبرعن شعورحاد بالمرارة من هذاالواقع الذي هوبحسب وصفه له من أسوأالمراحل,التي شهدتهاأمة الإسلام,هذاالواقع البئيس بزعم(صاحبنا)هونتاج بديهي لقلة( من يحمل هم الإسلام)!. بدا(لصاحبنا)أن طرحه لن ينجح إلابالإطاحة بالرموزالعلمية, وتشويه صورهم أمام الرعاع حتى ولوكانت هذه الرموز بحجم علمين جليلين كـ (ابن باز وابن عثيمين)رحمهما الله ولذا كثيرا مايؤكد(صاحبنا) في أشرطته القديمة أن العلماء يعيشون فى أبراج عاجية ,حجبتهم عن فقه الواقع العام؛هذاالواقع المتأزم الذي لايجدي فى سبيل تغييره في منظور(صاحبنا) إلاالانتفاضة الشعبية, والثورة الشاملة؛كانت أدبيات خطابه دائماتؤكدأن (حتمية المواجهة)تفرض علينا (صناعة الموت)الذي لا نخافه إلا بسبب مايتملك اللب الجمعي من (خلل فى التفكير)بتنا جراءه فى حالة من (الإغراق فى الجزئيات).
هذا الخطاب الصحوي,كان يشوش على العلماء, ويندد بمواقفهم, ويقوم على التقليل من القيمة العلمية لفتاويهم وتوجهاتهم التي ترفض كل خطاب تحريضي كماهومنهج صاحبنا المهووس بكثرة الهمج الرعاع!فقد كان يتباهى بأعداد المراهقين الذين يتراكمون حوله ,الشأن الذي ولد لديه إحساسا متعاظمابالتفوق وأنه ذو رؤية بعيدة المدى وأنه يستشرف مستقبلا حافلابالمفآجات التي لايراها الاهو, طبعاًقد يكون لنظارته السميكة التى لاتنى ترافقه دور فى نفوذهذه الرؤية,وتطاول مداها,فهي بالإضافة إلى أنها تضيف إلى وجهه الكثير من الجاذبية, فهي أيضا يبدوأنها,تمنحه رؤية مستقبلية نوعية, وتمده بوفرة استشرافية, لم يكن ليتوافرعليها بدونها!؛كان خطاب(صاحبنا) كثيرامايتحدث عن إنكسارات وضعف الأمة,فهوخطاب يرتدي رداء من الحزن, كمخاظ طبيعي تولده (جراحات المسلمين)التي لايحزن لها إلاهو,وأتباعه فقط !. كانت الجماهيرالمندفعة, ترى في مواقفه الصارخة بالحدة, وفى مفرادته المكتظة بمفاهيم الإحتراب, آية على صلابة دينية, تنامت جراءهاالثقة به, والصدورعن أقواله, وتضاعف عدد جماهيره, حتى بات محاطابالدهماءمن كل جانب؛ .إن تكدّثس الشباب الغر,ومراهقي الشيخوخة, بين قدميه,وإعجابهم به,وبهوس,منقطع النظير,حيث كان ثمة شعوريراودهم,بتربعه,على منصة,عالية,من التميز,يظلون,جراء,ذلك,متكورين,تحت قدميه,يسيطر,عليهم,شعور,حاد,بقزامتهم,أمامه,كل ذلك, أضفى عليه مسحة,هائلة, من الإنتفاش, والغرور, آل به الى تحدي السلطة.(صاحبنا) لم يكتب له الاستمرار في نهج الغلو إذلم يلبث أن اصطدمت أحلامه بصخرة الواقع الصلب بشكل أجبره على إعادة النظرفيما اعتاد عليه من أفكارلايملّ من ترديدها حتى بات معروفا بها وباتت جزءامن سلوكه العام؛ (صاحبنا)راجع حساباته ومن ثم تحوّل ولكنه تحول إيجابي لاشك يحسب له بوصفه علامة على مدى نضج عقله الذي حنكته التجربة,فصارأكثرهدوءا وطاعة لولي الأمر,وانفتاحا على الآخر,وتقبلا للمخالف, وإدانة للإرهاب,وتراجعا عن المنهج الثوري وسلوكا لمنهج التيسيرمن خلال الفتاوى ذات التقعيدالعام,والتي تتجاوزالبعدالمحلي,صوب الدائرة الشمولية الأوسع.
تم نشره في الجزيرة للكاتب (عبدالله السعوي)