كلنا نعلم جميعاً ان مفهوم التربية قد يتغير ويتطور من عصر الى آخر ولكنه يعني في نهاية المطاف اعداد المواطن او الفرد اعداداً علمياً وروحياً وبدنياً وخلقيا،ً حتى يستطيع ان يتأقلم مع بيئته، ويتكيف مع افراد مجتمعه، وينخرط فيه.. ولذلك فالتربية تهتم اهتماماً كبيراً بالجانب السلوكي والقيمي والوجداني لأنه بمثابة الرسالة السامية الراقية نحو بناء مجتمع متآخٍ متآلفٍ، متآزر.. تسوده المحبة والتعاون وروح التسامح والتكافل الاجتماعي.. يتسامى عن سفاسف الأمور. ويترفع عن صغائرها.. ولذلك فإن الاتجاهات العالمية والرؤى التربوية بكافة نظرياتها ومستجداتها المعاصرة بدأت تنظر إلى (المعلم) في العملية التعليمية التربوية بأنه حجر الزاوية في التعليم بل (الدينامو) المحرك الفاعل في العملية التعليمية التربوية برمتها.. رغم وجود الثورة التكنولوجية والتقنية الهائلة.. ووسائل الاتصالات والمعلومات الحديثة... فالمعلم لايمكن الاستغناء عنه أبدا،ً لأنه هو بمثابة الرأس من الجسد في العملية التعليمية التربوية. بل هو اساس الاستراتيجية التعليمية، وبدونه لم تقم قائمة للتعليم لا من قريب، ولا من بعيد..من هنا ندرك خطورة وأهمية إعداده إعداداً سليماً علمياً وتربياً حتى نضمن تخريج جيل قوي متسلح بالعلم والمعرفة والإيمان والثوابت الوطنية والقومية..
ومع ظهور العديد من النظريات والفلسفات التربوية الحديثة، والانفجار المعرفي والعلمي وثورة الاتصالات والمعلومات، التي غزت كل الدول حتى صار العالم عبارة عن قرية كونية صغيرة، واختلطت المفاهيم القيمية والاخلاقية والاجتماعية والحضارية مع بعضها بعضاً بسبب هذا التمازج والتلاقح والتزاوج والتقارب، مما أدى إلى ظهور بعض المشكلات التربوية والمعضلات الاجتماعية والخلقية، التي اربكت خبراء التعليم، وساسة التربية في إعادة صياغة فلسفة تربوية هادفة، ووضع استراتيجية تعليمية نابعة من خصوصياتنا وقيمنا وموروثاتنا الروحية والحضارية والتاريخية والوطنية كيمنيين ومسلمين، ولنا تقاليدنا وعاداتنا وتعاليمنا وموروثنا الثقافي التاريخي الحضاري..
لذا ينبغي أن تكون فلسفتنا التربوية نابعة من تلك المبادئ والمثل والقيم.. وان يكون تطوير وجودة التعليم ودوره مبنياً على أسس ثابتة، ورؤى متناسقة مع التغيرات التي تحدث هنا أو هناك لمصلحة العملية التعليمية التربوية، شريطة أن لاتتنافى مع معتقداتنا وقيمنا الروحية والاجتماعية و الثقافية والحضارية..
وانطلاقاً من قاعدة التجديد والتطوير بهدف إبقاء المعلم دائماً على صلة مستمرة بالمستجدات والاتجاهات والنظريات التربوية الحديثة، ووسائل وطرق التدريس المتطورة، كان ينبغي على وزارة التربية والتعليم ممثلة بقطاع التأهيل والتدريب وضع خطط سنوية بالتنسيق مع المنظمات والهيئات العربية والعالمية المانحة لتدريب المعلمين والمعلمات أثناء الخدمة.. وبهذا نضمن وجود المعلم الكفوء القادر على البذل والعطاء في مجال تخصصه..
وأود أن أشير هنا لابد من إشراك كافة شرائح وفئات العاملين في حقل التربية والتعليم في عملية التأهيل والتدريب بدءاً بالاداري وانتهاءً بالتربوي في الميدان أو المكتب أو الوزارة..
وإننا ندرك جميعاً أن المعلم اليوم ليس ناقلاً للمعلومات والمعارف وبعض المسائل التربوية فحسب، بل موجهاً لنشاطاتهم.. ومصقلاً لمواهبهم.. ومكوناً لشخصياتهم.. ومكسباً قيماً روحية وثقافية واجتماعية لتعديل سلوكهم الإنساني الملائم مع خصوصياتنا وتقاليدنا وعاداتنا.. لذا المعلم هو القائد التربوي، والمصلح الاجتماعي الذي يسهم في وضع اللبنات الأولى وتحقيق الاهداف الأساسية لمجتمع الفضيلة والمعرفة والاخلاق.. من هنا تأتي أهمية إعداده وتأهيله وتدريبه تدريباً مستمراً وبصورة دائمة..
ولذلك أطالب الجهات المسؤولة بالوزارة وجهات الاختصاص، أن تُولي عناية خاصة بمعاهد وكليات اعداد المعلمين على كل مستوياتها، وان تراعي تحقيق المواصفات العقلية والنفسية والاجتماعية والجسمية، عند الاختيار حتى تحقق اهدافها المرجوة وأن تكون عملية التأهيل والتدريب مستمرة وبصورة دائمة, تمشياً مع تطور المفاهيم والاتجاهات والمستجدات والنظريات التربوية الحديثة من أجل رفع مستوى جودة التعليم وكفاية المعلم والمعلمة في الميدان..
ولن يتحقق هذا إلاَّ بتوفير الظروف المادية والمعنوية للمعلم حتى يستمر في عطائه وبذله من أجل رفع المستوى العلمي والتربوي لدى أبنائه.. فالمعلم إذا لم يعط لن يعطي أبداً. و لن نستطيع أن نرتقي بالعملية التعليمية التربوية إلى الأمام إلاَّ بهذه المكونات الثلاثة للعملية التعليمية التربوية:
أولا: الجانب العلمي والمعرفي والثقافي.
ثانياً: الجانب الانفعالي الوجداني.
ثالثاً: الجانب النفسي الحركي.
وبهذه العوامل الثلاثة نستطيع ان نحقق شيئاً في مجال اعداد وتأهيل وتطوير وايجاد القائد التربوي الميداني الذي يسهم اسهاماً فاعلاً في رفع مستوى العملية التعليمية التربوية .
** احمدالفقية