محمد البوعزيزي
الشاب التونسي الذي أحرق نفسه حتى الموت
كيف يمكن لصفعة أن تؤجج ثورة؟ وأن تخرج من الصدور كل الاحتقان وتحوله إلى غضب عارم؟ وكيف يمكن لقشة أن تقصم ظهر بعير؟ ليس ثمة في الدنيا قشة تستطيع أن تقتل جملا، لكن ثقل الحمل هو الذي يقتله.القشة التي دفعت الشاب التونسي محمد البوعزيزي إلى حرق نفسه لم تكن إلا بصقة وصفعة وجهتها إليه شرطية، لا لشيء إلا أنه يبيع الخضار والفواكه على عربة جوالة في مكان لم يرق لها. وبما أن الشرطية تمثل السلطة فإن ذلك يعني بالضرورة أن المكان الذي يقف فيه لم يرق للسلطة أيضا، وبالتالي فإن السلطة هي التي بصقت في وجهه وصفعته. ورغم انه يحمل شهادة جامعية رضي من حطام الدنيا أن يجر عربة يبيع عليها الخضار رغم السنوات التي قضاها على مقاعد الدراسة وتحصيل العلم.
هذا الشاب العشريني، لم يحرق نفسه بعد أن بصقت الشرطية في وجهه وصفعته، بل بعد أن رفضت الولاية، قبول شكواه ضد الشرطية التي أهانته، أي رفضت شكواه ضد السلطة، فما كان منه إلا أن احرق نفسه في فعل غضب واحتجاج ضد الظلم والفقر والبطالة والتعسف.. ولأن البوعزيزي لا يتقن لغة العنف ضد الآخر، حتى لو كانت السلطة، صب جام غضبه على نفسه، فهو لا يستطيع أن يطلق سهام غضبه ضد من اعتقله في ملابسه وحول عظام قفصه الصدري إلى قضبان زنزانة وجعل من جلده غلافا لملف "أمني" يحصي عليه أنفاسه وسكناته ووساوسه وهمساته وأحلامه.
غضب كسر القمقم واخرج مخزون الغضب من صدور آلاف الشباب الذين ضاقت بهم سبل العيش، فخرجوا إلى الشوارع وواجهوا "السلطة" التي لم يستطع البوعزيزي أن يواجهها احتجاجا على التردي والقمع وسيطرة العقلية الأمنية التي لا تقبل ممن يتوجع أن يقول "آخ" لأن الإعراب عن الألم "مؤامرة على الدولة وحط من هيبة الحكم"، ولأن من يجرؤ على الكلام يجب أن يلجم ويقطع لسانه ومن يحتج في الشارع يجب أن يقتل، كما حدث مع الشابين محمد العامري وشوقي الحيدري، وهما ممن نالوا حظا من العلم، فالأول يحمل شهادة الأستاذية "بروفسور" في الفيزياء، عاطل عن العمل منذ تخرجه، قتل بعيارين ناريين في الصدر.
والثاني يحمل شهادة الهندسة في البرمجة المعلوماتية ،قتل بعيار ناري في العمود الفقري وثان في الكتف. وقبلهما بالطبع أقدم الشاب حسن بن صالح ناجي على الانتحار صعقا بالكهرباء بعد أن تسلق عمودا وامسك أسلاك كهرباء بقوة 30 ألف فولت.
السلطة في العالم العربي لا تتراجع أبدا "من اجل الحفاظ على هيبة الدولة".. حتى لو كانت هذه الدولة فاسدة ويعشش فيها الخراب وبكل بساطة تبرر: رجال الأمن "اضطروا" إلى استعمال السلاح في نطاق الدفاع الشرعي عن أنفسهم"..
وبعد كل هذا يقولون لماذا ينتشر العنف في العالم العربي؟ ولماذا ينضم الشباب إلى الجماعات المتطرفة؟ ولماذا يفخخ شاب نفسه ويتطاير أشلاء في السماء؟ .. الم يتطاير البوعزيزي رمادا في الهواء أيضا عندما عجز عن ابتلاع الإهانة.
لا يمكن أن يستمر الوضع في العالم العربي على ما هو عليه.. قد تستطيع السلطة، أي سلطة عربية، أن تكمم الأفواه لبعض الوقت، لكنها لن تستطيع أن تكممها إلى الأبد، وقد تتمكن من لجم الغضب لبعض الوقت لكنها لن تستطيع أن تلجم الغضب كل الوقت..
يحتاج الشباب في العالم العربي إلى بصيص من الأمل لتفكيك عناصر الغضب والاحتقان قبل أن ينفجر.. ويكفي أن نلقي نظرة على عالمنا العربي لنرى خارطة العنف القائم والعنف المحتمل والعنف القابع تحت الرماد..
نقلا" عن الشـرق القطـرية