إمتاز عن باقي الصحبة .. بـالوفاء ..
يبادرني التحية بلا تزمت .. أو جفاء ..
ويبادلني من الأحلام مايعانق .. السماء ..

ورغم تلك الصعاب التي يخوضها معي .. دائما ً ما أجده مبتسما ً حد النواجذ .. وحيائي يكاد يقتلني .. لـ أحساسي بـ عظيم الذنب لـ جره نحو تلك العقبات .. إلا أنه سرعان مايقرأ عيناي .. ويقول : لا عليك ياصاح .. فـ الوضع رخاء ..

لا أدري .. هل أتعجب من صمته على النكبات .. !
أم أعجب من ردة فعله .. على جسيم المنعطفات .. !

كنت حذرا ً معه ..

فـ الصاحب .. قيل عنه ساحب ..

وقال في وصفه الألمعي طرفة بن العبد :

عَنِ المَرءِ لا تَسأَل وَسَل عَن قَرينَه .. // .. ُفَكُلُّ قَرينٍ بِالمُقارِنِ يَقتَدي

وقال أيضا ً الفيلسوف سولون .. :

صداقة الجاهل هم !

وكنت أتحين الفرص لـ أرسل له سهام الإختبار .. ورماح الإمتحان ..
وكان دائما ً ينجح ..


فـ ينصحني .. عما يغضب الله ..
ويسوقني نحو اتباع الطاعات .. ويمقتني عند انتهاك المحرمات .. ويغاضبني عند تساهلي في الواجبات ..

ولم يكن أبدا ً
مصدرا ً لـ الأحكام ..
أو منظرا ً لـ الأنام ..

بل دائما ً ما يكون التواضع ديدنه .. حتى مع الأقربين ممن حوله .. متسامحا ً إلى ابعد النطاقات .. حليما ً في أحلك مواقف الضد ..
وإذا مابادر المتكأكأون من حوله
إلى تصيد زلاته ..
وتعظيم هفواته ..

كان يبادر قائلا ً :

سامح اخاك اذا خلط .. // .. منه الاصابة والغلط
وتجافى عن تعنيفه .. // .. إن زاغ يوما ً أو قسط
واعلـم بانك ان طلبت .. // .. مهذبا ً رمت الشطط
من ذا الذي ماساء قط ؟ .. // .. أو من له الحسنى فقط ؟

كان ذاك الصاح ..
كنزا ً من الإيضاح ..
وعـَلما ً من الإفصاح ..

لا أبالغ .. أبدا ً ..
إن قلت أنه سبب رئيس ..
في جدولة شخصيتي الحقيقية ..
فـ هو يمقت التشكل والزئبقية ..
ويحتقر الأعمى من التقليد .. والتبعية


ويعشق البساطة حد الخيال .. بل كان ممن إذا مارآك محبطا ً .. سارع بـ ذكر ماتجيد القيام به .. ويكرر مناقبك على مسامعك .. كي تخرج من صومعة الإحباط .. نحو الجانب المضيء من شخصيتك ..
وفي كل مرة ..
تنطلي علي حيلته .. وينتشلني مما أكون فيه من غياهب تخبطات النفس ..

كان ذاك الصاحب ..
ممن هجر الإنهزامية .. وعاف الفشل .. وطلـّق الخذلان ..

كنت أتحدث معه أحيانا ً عن سخافة بعض العقول .. وتضاربها مع المنطق .. وقال بـ صوت يشوبه إستنكار .. : أعطني مثالا ً ؟

فقلت .. ما أقصده ..

لا يحصر يا سيدي بـ مثال .. !
أو يرتسم .. بـ سؤال .. !

فـ الأمثلة .. كثيرة ً جدا ً ..

فـ كرر ذات السؤال .. !

وكي لا يتهمني بـ التنظير .. هرعت إلى أقرب فكرة تبادرت إلى ذهني .. وقلت :

التفاخر بـ الأنساب مثلا ً ؟

إذا خالط ذاك الفخر .. علوا ً وفوقية على البعض بـ غير وجه حق ..

فـ الله الخالق يا صاح ..
والله المتفضل ..
ولا فضل أبدا ً لـ من تسلق بـ أمجاد لم تكتسبها أذرعه .. !

حيث قال الأول :
إن أفتخرت بـ آباء لهم نسب .. // .. نعم صدقت / ولكن بئس ما ولدوا !!





نظر صاحبي إلى السماء .. وأومأ بـ رأسه .. وكـ أنه يوافقني التوجه .. وقال : هل تعرف جوهر الصقلي ؟

فـ قلت على الفور : وهل مثل هذا يجهل ؟!
أوليس هو فاتح مصر ؟!
وباني الأزهر ؟!

قال : بلى .. ولكن أتعلم ما نسبه و ما حسبه ؟!
هو مولى من البربر .. أمازيغي ..
أمه جارية .. تبيع الجرجير .. !!
وأراد الأشراف أن يحرجوه ذات يوم .. وقالوا مانسبك وماحسبك !

فـ أخرج لهم هذا الفاتح العظيم أربع أصابع من السيف وقال هذا نسبي ..
وأخرج حفنة من المال وقال هذا حسبي ..

فـ قالوا .. عرفنا النسب و عرفنا الحسب !

فـ الإنسان هو إبن مجده .. يا صاح ..

والتفت ينظر إلي .. وملامح الدهشة .. والإعجاب .. والإستغراب .. مجتمعة في هيئتي ..

وقلت دعك من هذا ..

فـ شاب عظمي ياصاح .. هما ً
وأحدودب ظهري ومال .. غما ً
حتى بدأت أستطعم الماء .. سما ً

فـ قال صاحبي ..

دع عنك حس التشائم .. جما ً
وحساب مقادير الحياة .. كما ً
وملئ صفحات النجاح .. ذما ً

كن كـ النخيل عن الأحقاد مرتفعا ً .. // .. ترمى بـ صخر فـ تلقي أطيب الثمر !

ولا تضيع ساعات يومك في التفكير شذرا ً فيما لا طاقة لك بـ تغييره .. بل اعمل .. لـ تسير شؤون حياتك بما تراه صوابا ً دون الالتفات لـ أي منغص ٍ قد يعكر صفو تقدمك ..
فـ البعض أحيانا ً لا يكتفي بالتخلف عن ركب المتقدمين بل يثابر في جر البعض معه إلى
مستنقع المثبطين
ووحل المتنطعين

ثابر .. وكابد .. وأشقى .. إلى أن يقضي الله أمرا ً كان مفعولا

ولعل تسلسل الأحاديث أشغلني .. حتى نسيت أن أخبركم إسم ذاك الصديق

صاحبي إياه .. اسمه الضمير ..

شكرا ً أيها الوفي ..

ومضة .. :

لقد كان الضمير الحر .. // .. هو النجم إن ومضا




موضوع ( راق لي كثيراً )