* من الذي يتنحى ؟!
حينما تمشي في الشارع ، أحياناً تجد شخصاً قادماً في اتجاهك، وكل منكما يمشي في اتجاه الآخر حتى تكاد تصطدم به، هنا يجب على أحدكما أن يتنحى ، بأن يحِّود يميناً قليلاً أو شمالاً قليلاً ، ويترك الآخر مستمراً في طريقه حتى لا يصطدما ، هل حلصت معاك هذه الواقعة ؟ قلت له : بالتأكيد حلصت لي فسألني ولكن من الذي كان يتنحى ، أهو أنت أم ذلك الشخص القادم نحوك.؟ من الذي يبعد من طريق الآخر أنت أم هو ؟! قلت له وهل تفرق ؟!
قال لي طبعاً تفرق ، تفرق جدَّاً كمان ، لماذا أنا الذي يجب أن أغير مساري لماذا لا يغيره هو ؟ إنها لحظة بل في أقل من ثانية أحدنا الذي يتخذ القرار ، إما أن أتنحى أنا أو يتنحى هو ، وهو ليس قراراً سهلاً على فكرة.
هذا ما قاله لي صديقي المفكر ، وهو يلعب في شاربه ورددت عليه ، وانا أداعب شاربي أنا الآخر ، قائلاً: يا أخي إنت محبكها.. انت تيجي كده هو بيجي كده أهو كل واحد بيروح لحاله.. قال لي صارخاً لا..لا يا حبيبي.. آسف.. ما دام قبلت إنك تزيحني من طريقك يبقى أنت عايز تقهرني ، أفهم الموضوع صح. قلت له يقهرك إيه !! ده واحد ماشي في الشارع وما يعرفكش ، قال لي لا مادام ما يعرفنيش ، يعرفني بأه ، يعرف مين اللي قدامه ده ، وما يزيحنيش من طريقه بالساهل كده.
شعرت أن المسألة كده قربت قوي من الدكتور عادل صادق والدكتور أبو العزايم ، فقلت له هدي نفسك شويه ، واسمع كلامي ، انت ترتاح في البيت كام يوم وما تنزلش خالص ما دام المشي بيضايقك ، قال لي.. انا بقالي في البيت أسبوع أهري وانكت في روحي ، ح اتجنن ، قلت له ليه ؟ بيجي لك يمشي قدامك في البيت كمان !! قال لي لا لكن صورته مش عاوزه تفارق خيالي ، حاسس إني حشرة ، إني ضعيف إني جبان ومش قادر أواجهه ، وصرخت فيه قائلاً من شدة الغيظ: هو مين ده ؟ قال لي الرجل اللي كان ماشي في اتجاهي.. وأنا اتنحيت له شويه ، وتركت صديقي المفكر.. يفكر وأخذت أفكر أنا الآخر لماذا نتنحى .؟! لماذا نتنازل قليلاً أو كثيراً.. لماذا غنينا زمان.. عشان مانعلا مانعلا مانعلا لازم نطاطي نطاطي نطاطي ؟ فكما يبدأ مشوار الألف ميل بخطوة ، تبدأ المصايب كلها بتنازل بسيط ، واسمعوا دي :
تتفق روايات الثقات من أصدقائنا حول صديقنا سعيد ، أنه حينما تزوج وفي يوم الصباحية حرص أن يستيقظ قبل زوجته ، برغم أنه كان نام بعدها ليعد لها الإفطار على سبيل المفاجأة ، يعني ليثبت لها أنه واد روش ونغش وينتمي لجيل الأغنية الشبابية ، وقامت ست الحسن مبهورة بطيبة العريس ، وقالت له مرسيه قوي يا سعيد عملت الشاي يا حبيبي ، آه ياريت.. وهبدت ست الحسن الفطار وناولته الصينية قائلة تسلم إيدك يا حبيبي ، وهي ما زالت في السرير ، وتكرر هذا ثاني يوم وثالث يوم ، وسعيد لم يعد سعيداً بأي حال من الأحوال.
وفي يوم نام سعيد لأسباب تتعلق بها أيضاً متأخراً ، فلم يستيقظ قبلها كعادته ، فوجدها تزغده بركبتها في سلسلة ظهره قائلة ، سعيد مش ح تقوم تحضر الفطار ، وقام سعيد ولم يحضر لها الفطار ، حضر لها شنطتها ، وعلى أمها.
والحقيقة أن سعيد هو اللي غلطان فهو من البداية الذي قدم تنازلاً بسيطاً.
وأعرف زوجة لأحد أصدقائي ، مغرمة بنقل أثاث بيتها إلى بيوت أخواتها وأمها وأهلها..
فإذا زارها أخوها وأعجبته ترابيزة السفرة ، أرسلتها ثاني يوم في عربة نقل إلى بيت أخيها ، وإذا أختها عدت عليها وعينها طلعت ع الانتريه يكون عندها بالليل ، أما أمها فطلباتها كلها مجابة ، إلى أن عاد زوجها ذات يوم فوجد البيت فارغاً ، ليس فيه شيء بالضبط مثل ديكور الأغاني الشبابية المصورة ، البيت فاضي وزي الفل وزوجته جالسه أما الشباك والستاير عماله تطير ، ولا شيء سوى أشعة الشمس على بلاط الحجرة ، ولم يعرف الزوج ماذا يقول ، وهو ينظر حوله في اندهاش ، أين الصالون.. أين الانتريه.. أين السفرة؟ وصرخ في زوجته قائلاً.. أعاتبك على إيه والا إيه.. والا إيه.
وهذا الزوج أيضاً مخطئ ، فهو الذي سمح من البداية بأن تخرج الأشياء من بيته حتى خرج هو شخصياً ، التنازل يا أعزائي ليس بحجمه ولا بنوعيته ، التنازل تنازل ، فأنت صائم الحمدلله في رمضان ، تستطيع أن تضعف أمام فرخة مشوية أو ديك رومي وتفطر ، ولكن لا تنسى أن بق ميّه يفطر أيضاً ، بل والأدهى من ذلك أن البصة تفطر ، لذا إن كنت ماشياً في الشارع ووجدت واحدة قادمة في اتجاهك وكل منكما يمشي في اتجاه الآخر ، حتى تكاد تصطدم بها ، تنحى لها ما تنَّحش.
___________________
* من كتاب ( حنعيش كده ونموت كده ) لـِ يوسف معاطي