أطال الله فى عمر أمى التى ربتني أحس بعدم جدارة الكلمات والمعانى لوصفها ....
دائما ما كنت أظن أن مشاعرنا نحو الأم أعمق بكثير منها نحو الأب , حتى رحل أبى ووجدت أن لا فرق بينهما , فالحب لكليهما واحد , فبعد أن رحل أبى كنت اذهب الى بيته واتجول فى حجرته بعد رحيله وأظل أتذكر كلماته الأخيرة ومواقفه قبل أن يزحف الموت إلى فراشه ثم أجول بخاطرى إلى الماضى البعيد وأستعرض سنوات الطفولة وما بعدها وكيف كان يخرج من البيت للعمل ويأتى فى المساء وهو فى قمة لياقته وعنفوانه وكيف كان راجح العقل صعبٌ إرضاؤه بأفكارنا البسيطة الساذجة , وكم كان يسعد عندما ينطق أحدنا بقول حكيم يعجبه سواء انا او اختي, ( وكان أكثر ما يسعدنى أن أنال إعجاب أبى الذى كنت أرى فيه المثل الأعلى والنموذج الأول الذى عرفته للرجل ) واليوم عندما أبحث فى أوراقه القديمة أجد كم كان منظما دقيقا وخطه جميل ... وبعد عدة صفحات ... أجد الخط قد تغير وأصبح غير منمق , عبارة عن كلمات تبعد عن بعضها البعض فى نفور واضح , ذلك لأن بصره كان قد ضعف , وأعصاب يديه لم تعد تتحكم فى القلم , وفى أيامه الأخيرة قبل رحيله كان لا يريد الإستسلام للمرض , متمسكا بالحياة حتى أنه كان يحاول أن يمشى إلى الباب ليرى منها المسجد الذى يقع أمام البيت مباشرة وبه كان مصلاه ومجلسه مع رفاق الزمن , لكن قلبه قد ضعف و القدمان اللاتى مشين وتجولن فى كل الأنحاء قد وهنتا فلم تعد تتحمله طويلا ...
أما " عن الأم " فلا أجد ما أقوله من كلمات غير أنها أعز الناس على القلوب , رغم اني لم ادرك وجود أمي لموتها وانا في السنه الثانيه من عمري والتى لا يستطيع قلم أن يصف تكوينها الذى أبدعه الخالق سبحانه وتعالى , ما بين الحب والعطاء والحنان والتضحية اللانهائيين فكل مشاعرها لن تستطيع أن تحدد أى منها بالكم أو تصفه بالكيف ...
صعبة هى الحياة بدون أم ولكنك لن تستطيع تخيل مدى الصعوبة وأنت ما بين أحضانها , تصرخ فى وجهها معبراً عن آلامك ومشاكلك وهى صابرة لا تحس بحنق عليك لما بدر منك بل تبحث عن حل تقوم به لمساعدتك وتخفيف آلامك , و تكون تلك الإنفعالات الغبية من جانبك كالجبال بعد رحيلها وآهٍ من الندم بعد فوات الأوان ...
لقد عشت مرارة الفقدان مرتين , مرة عندما فقدت "أمي" , والأخرى عند موت "أبي"
رحم الله أمي 00وأبي