لك الحمد كل الحمد لا مبـدأ لـه ......... ولا منتهـى. والله بالحمـد أعلـم
{ اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } النور : 35.
ثناؤنا عليه. زلفا لنا لديه، وبوحنا بشيء من المكنون، إنما نرجو به نجاة، يوم لا ينفع مال ولا بنون.
ومــن عـجـب أنــي أحــن إلـيـهـمو ......... أسأل عنهم من لقيت وهم معي
وتطلبهم عيني وهم في سوادهـا ......... ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي
يا الله ما أعظم الخطب!، وما أجل الموقف!، وما أصعب الأمر! الضعيف يثني على القوي، والمخلوق يمجد الخالق، والفاني يبجل الباقي، والفقير يترنم بذكر الغني. القلب يرجف، واللسان يتعثر، والجنان يخفق، والبنان يرتعش، والكلمات تعجز، والعبارات تقصر، والقوى تنهار، والفكر يحار. خشية وإجلالا، وحياء من الجبار.
أعـلـل قلـبـي فــي الـغـرام وأكـتــمو ......... لـكـن حـالـي عــن هــواي يتـرجـم
وإن فاض دمعي قلت جـرح بمقلتـي ......... لـئـلا يــرى حـالـي الـعـذول فيـفـهـم
وكنت خليـا لسـت أعـرف مـا الهـوى ......... فأصـبـحـت صــبــا والــفــؤاد مـتـيــم
رفعـت إليكـم قصتـي أشتـكـي بـهـا ......... غرامي ووجدي كي تجودوا وترحموا
وسطرتهـا مـن دمــع عيـنـي لعلـهـا ......... بمـا حـل بـي منـكـم إليـكـم تتـرجـم
نخط بالبنان شيئا مما علمنا الرحمن، ونوظف البيان في رضا الواحد المنان، امتثالا لأمره، واتباعا لرسوله، وأملا في رضاه، وطمعا في مغفرته، وحبا لذكره، فهو عند حسن ظن عبده به، وهو معه حيث ذكره، فإن ذكره في نفسه ذكره الله تعالى في نفسه، وإن ذكره في ملأ ذكره الله تعالى في ملأ خير منهم، قال تعالى: { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ }
وفي الحديث القدسي: «أنا عند حسن ظن عبدي بي، وأنا معه حيث ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم».
فهو أحق من ذكر، وأحق من حمد، وأولى من شكر، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا له عبد، له الحمد حمدا طيبا كثيرا مباركا، له الحمد ملء السموات والأرض وما بينهما، وملء ما شاء من شيء بعد، له الحمد حتى يرضى، وله الحمد بعد الرضى، وله الحمد عدد خلقه، وزنة عرشه، ورضا نفسه، ومداد كلماته، سبحانه لا نحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه.
لك الحمد طوعا... لك الحمد فرضا
وثيقا عميقا... سماء وأرضا
لك الحمد صمتا... لك الحمد ذكرا
لك الحمد خفقا حثيثا... ونبضا
لك الحمد ملء خلايا جناني
وكل كياني.. رنوا وغمضا
إلهي وجاهي إليك اتجاهي
وطيدا مديدا... لترضى فارضى
فأنت قوامي.. وأنت انسجامي
مع الكون، والأمر لولاك فوضى
هذه همسات قلب مؤمن، ونفثات فؤاد موحد، هذا دعاء ورجاء وثناء وبكاء، وانطراح ونداء، لرب الأرض والسماء.
هذه قصة التوحيد تسطر في قالب جديد، وروح العقيدة، يقدم في أفانين عديدة، ومجمل اعتقاد السلف في الأسماء والصفات، توشحت به هذه الورقات.
هذا الكتاب توحيد وتمجيد، وتعظيم وتبجيل، وتسبيح وتكبير.
هذه ومضات من خلجات الروح، وأسطر من وثيقة الحب، ونفحات من معين الإجلال، وهمسات من هتاف الإيمان.
هذه عبارات حانية، وأحرف زاكية، تسقى بماء واحد، لتثني على رب ماجد، منها ما حبرت واجتهدت، ومنها ما انتقيته من الغير واستجدت.
هذه نفس كاد يقتلها العطش فسقيت بماء الوحي، وزلال الإجلال، ورحيق التوفيق، فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج.
إذا استسقى القلب المحب ربه، واشتكى إليه فاقته، وأظهر فقره. مرغ جبينه في محرابه، ونثر دموعه في ساحته، سيمده بغيث الرحمة، وسقيا المعرفة، فإن ضرب بعصاه الحجر انفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم، عين الإخلاص، وعين الصدق، وعين الحب، وعين اليقين، وعين التوكل، وعين المعرفة، وعين الرضى، وعين الصبر، وعين الأنس، وعين الافتقار، وعين الحياء، وعين الخوف، وسالت أودية بقدرها.
إنني آمل أن تجد قوافل المحبين في هذا موردا طيبا فتنهل من معينه الصافي، وأعينه السائغة العذبة، فها أنذا قد نضحت للمحبين بدلوي، وسقيت لهم بغربي من بئر المعرفة، وسلسبيل الهدى، وسوف أتولى إلى الظل الوارف لهذا الدين، وأبتهل بلسان الحال والمقال: { إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } .
وكان فؤادي خاليا قبل حبكم ......... وكان بذكر الخلق يلهو ويمرح
فلما دعا قلبي هـواك أجابـه ......... فلست أراه عن فنائـك يبـرح
ما أعظم الفاقة وأشد الحاجة إلى ما يسكب في القلوب من عظمة علام الغيوب سيما في مثل هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن، وعظمت المحن، وتدفق سيل الشهوات، وكشرت أنيابها الشبهات، أعلنت الحرب الشعواء على الفضائل، وصوبت السهام الرعناء على المكارم.
اللهم احفظ بلاد المسلمين من مكر الماكرين، وغدر الغادرين، وضلال الضالين.
إلهي.. ثنائي عليك نعمة منك، وذكري لك منة منك، وانطراحي بين يديك عطاء منك وإليك.، سبحانك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
أأذكر حاجتـي أم قـد كفانـي ......... حـبـاؤك إن شيمـتـك الحـبـاء
عـظـيـم لا يـغـيــره صــبــاح ......... عن الخلق الجميل ولا مساء
إذا أثنـى عليـك المـرء يـومـا ......... كـفـاه مــن تـعـرضـه الـثـنـاء
فهذا بعض ما جاد به القلم، وصدح به الخاطر، وفاضت به النفس، وطفح به القلب، وخطه البنان، ولهج به اللسان. آمل أن يكون سلوة للمحبين، وأنسا للعابدين، وسرورا للخاشعين.
إن الذي يتعرض بالثناء لملك من ملوك الدنيا ويشدو بشيء من مناقبه أو يتلو بعضا من محاسنه لا يخلو من العطية، ولا يعدم الهدية، وقد يكون أكثر الثناء وجل المديح في غير مكانه، فما بالك بمن يثني على مالك الملك وصاحب الفضل، وواهب النعماء، وعظيم العطاء، رب السموات والأرض أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، لا أكرم منه جودا، ولا أعظم منه عطاء، ولا أوسع منه برا، ولا أجل منه فضلا.
إن أعظم مكافأة لمن يثني عليه أن أكرمه بأن جعل لسانه ينطق بمدحه، وبيانه يترجم بحبه، وقلمه يسطر بديع فضله وجميل صفاته ووافر هباته، ماذا تساوي كلمات نسطرها أو عبارات ندبجها أو صفحات نخطها عن الذي خلقنا وما نعمل، وأوجدنا وما نصنع. العقل الذي يتفكر ويتدبر، والنفس التي تخشع وتتأثر، والقلب الذي يؤمن ويتذكر، كلها نعم من الذي خلق فقدر لو عبده المرء سنوات عديدة ما كان ذلك مقابلا لنعمة واحدة من نعمه عليه كالسمع أو البصر أو العقل، لو كانت مياه البحور مدادا للكاتبين وأشجار الدنيا أقلاما للمدونين، ووجه الأرض ورقا للمسطرين، ونقش عليها ثناؤهم على الله لما أوفوه حقه من الثناء، فهو فوق ما يصفه الواصفون، وأعظم مما يثني به عليه المثنون، فسبحانه جل في علاه، له الشكر وله الفضل وله الحمد فهو رب السموات والأرض ومن فيهن وله الحمد فهو قيم السموات والأرض ومن فيهن، وله الحمد فهو نور السماوات والأرض ومن فيهن، عالم الغيب والشهادة، فاطر السماوات والأرض، رب كل شيء ومليكه، فالق الحب والنوى، الأول فليس قبله شيء، والآخر فليس بعده شيء، الظاهر فليس فوقه شيء، والباطن فليس دونه شيء، وهو الحق ووعده الحق وقوله الحق، واحد أحد، فرد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد.
أوحشتـنـي خلـواتـي ......... بــك مــن كــل أنـيـس
ودعانـي الـود والحـب ......... إلى المعنـى النفيـس
فبدا لي أن مهر القرب ......... أنــفـــاس الـنــفــوس
فكتبـت العـهـد للـحـب ......... على أغلـى الطـروس
إنني آمل من المولى جل وعلا أن ينتفع الخطباء بهذا الكتاب في خطبهم، فإن فيه ما لا يقل عن سبعين خطبة إيمانية وروحانية تربط الناس بالله وتحببهم إلى الله وتقربهم من رضاه، ولقد خطبت بعدد من موضوعات هذا الكتاب، فكانت من أحسن الخطب أثرا، وأجملها وقعا وآمل أن ينتفع به الأئمة في مساجدهم فهو من أفضل ما يمكن قراءته على المصلين بعد الصلوات، ليس لأنه كتابي ولكن لما احتواه من الثناء على الله عز وجل وبيان عظمته وتجلية شيء من مننه، وبعض من نعمه، فإن القلوب إذا تعلقت بالله، وعظمت الله، وتعرفت على الله، انصاعت لأمره، ورضيت بحكمه، ومضت على شرعه، فكيف تطلب الاجتهاد ممن لم يتعرف على رب العباد؟ وكيف يكون الامتثال لمن لم يبجل المتعال؟ وحينما تتأمل وصية المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ - رضي الله عنه - حينما بعثه إلى اليمن تعرف أهمية التعرف على الخالق، وأنه الأساس الذي يبنى عليه الدين وتقام عليه الشرائع: «إنك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم الزكاة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم، فإذا أطاعوك فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس».
وإنني آمل أن يفيد من هذا الكتاب الدعاة في دعوتهم، والوعاظ في وعظهم ، وأن يفيد منه كل محب للجلال، عاشق للجمال، مبجل للكمال.
أسأل الله تعالى أن يغفر بهذا الجهد ذنبي، وأن يرفع به قدري، ويحط به وزري، ويشرح به صدري، وييسر به أمري، وأن يرفع به من قرأه وينفع به من شكره.
حبيـبـي أمــا جـفـن عيـنـي فـمـقـروح ......... وأمـا فــؤادي فـهـو بالـشـوق مـجـروح
يـذكـرنـي مــــر الـنـسـيـم عـهـودكــم ......... فـــأزداد شـوقــا كـلـمـا هـبــت الـريــح
أرانــي إذا مــا اللـيـل أظـلـم أشـرقـت ......... بقـلـبـي مـــن نـــار الـغــرام مصـابـيـح
أصـلــي بـذكـراكــم إذا كــنــت خـالـيــا ......... ألا إن تـــذكـــار الأحـــبـــة تـســبــيــح
يــشــح فــــؤادي أن يـخـامــر ســــره ......... سواكم وبعض الشح في المرء ممدوح
إن الخلل والزلل من لوازم الناس - إلا من عصمه الله تعالى - فمن قصد هذا الكتاب فلا جناح عليه أن يطوف بقلبه وفكره فيه، فيسدي نصحا، ويقدم توجيها، ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم .
اللهم إني أستغفرك من الزلل، وأعوذ بك من الخلل، وأبرأ إليك من الخطل، وأعوذ بك من شر نفسي، ومن الشيطان الرجيم.
ولــو كتـبـت بـدمـع العـيـن ملحـمـة ......... بديـعـة جئتـكـم فــي ثــوب معـتـذر
لم أستطع أن أجلي عشر عاطفتي ......... فـي حبـه لا ولا عشـرا مـن العشـر