حب المال في الإسلام
الإنسان بطبعه يحب المال حباً كثيراً فهو وسيلته للعيش في الحياة الدنيا وللزينة فيها كثرت أو قلت وتشمل هذه الزينة كل كماليات الحياة ورفاهيتها أليس الله هو القائل :
" وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا " سورة الفجر : 20
" الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا "
سورة الكهف : 46
فبين الله تعالى لنا أن ما صلح منهما هو الباقي لخير الإنسان إذ يثيبه الله عليه ويبقى أملاً له في الدنيا والآخرة .
واعتبر الله تعالى تكاثر الأموال من سنن الحياة الدنيا ومتاعها وغرورها ولم يحرّمه ولكنه يحذر من عاقبة عدم استخدامه لرضوان الله فقال :
" اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ " سورة الحديد : 20
وكذلك مهما أحببنا المال يجب أن يكون حب الله ورسوله وجهاد في سبيله أكبر من حب المال حتى لا نكون قوماً فاسقين كما قال تعالى :
" قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " سورة التوبة : 24
ويجب أن نحرص على الربح وعدم الخسارة فلا تلهينا أموالنا ولا أولادنا عن ذكر الله لأن من يفعل ذلك يكن من الخاسرين الذين عرفهم الله بقوله :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ " سورة المنافقون : 9
فالمال والأولاد فتنة لنا واختبار في الحياة الدنيا وما عند الله أعظم منهما بكثير كما قال مكرراً ذلك في سورتين :
" وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ " سورة الأنفال : 28
" إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ " سورة التغابن : 15
ولن يغني عن الكافرين كثرة الأموال والأولاد وسيكونون وقود النار وأصحابها خالدين فيها وكرر الله ذلك في آيتين منفصلتين في سورة واحدة :
" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ10/3كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ " سورة آل عمران : 10_11
" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئًا وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " سورة آل عمران : 116
وأكد الله ذلك في سورة أخرى فقال :
" لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ "
سورة المجادلة : 17
وحذر الله حتى من الإعجاب من كثرة الأموال والأولاد لدى الكافرين فقال ينهى عن ذلك في آيتين منفصلتين في سورة واحدة :
" فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ " سورة التوبة : 55
" وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ " سورة التوبة : 85
ولم يكن المال هو أعظم خيرات الله ونعمه فهناك ما هو أعظم منه كما قال سليمان عليه السلام :
" فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ "
سورة النمل : 36
ويبين الله تعالى أن العلم هو خير من المال ويتفاضل به البشر ويا ليتهم تسابقوا عليه كما يتسابقون على جمع المال وحبه كما قال في كتابه العزيز :
" وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ "
سورة النمل : 15
وحتى علم منطق الطير الذي فضل الله به سليمان كان نعمة عظيمة عليه أكثر من المال ذكرها الله من بين علومه بأشياء أخرى فقال :
" وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ " سورة النمل : 16
واصطفى الله طالوت ملكاً رغم أنه لم يكن غنياً ولكن الله زاده علماً وقوةً في جسمه فكان ذلك أساس ملكه الملك الذي يهبه الله لمن يشاء من عباده دون اعتبار المال من دعائم هذا الأساس فقال تعالى مبيناً ذلك :
" وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " سورة البقرة : 247
وأنبياء الله كانوا جميعاً يدعون إلى وحدانيته وعبادته والعمل الصالح ويبتغون بعملهم رضوان الله ولا يطلبون مالاً من أحد كما جاء في كتابه الكريم على لسان نوح عليه السلام :
" وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ " سورة هود : 29
ومن حكمة الله تعالى وعلمه أنه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وهذا ما يزعج كثيراً من البشر الذين يحبون المال حباً جماً ولكنه بين لنا أنه إذا أمد الناس بالمال ليس معناه أنهم الأقرب إليه ولكن الإيمان والعمل الصالح هما اللذان يقربان البشر من خالقهم الكريم الذي سيجزيهم ضعف ما عملوا وسيعيشون آمنين في الحياة الآخرة الخالدة فقال يبين هذا في كتابه الكريم :
" قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ36/34وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ " سورة سبأ : 36_37
وكذلك قد يقول البعض أن الأغنياء يعجل الله لهم بالخير في الحياة الدنيا ولكنهم لا يشعرون أن الذي يعجل الله له في الخيرات هو من آمن بآياته ووحدانيته وخاف منه في السر والعلن لأنه يؤمن بالرجوع إليه في نهاية الحياة الدنيا وقلبه مليء بالوجل والشفقة من شدة خوفه من الله وينفق مما معه لوجه الله ومن يفعل ذلك يكن من الذين يسارعون في الخيرات ويسبقون غيرهم ولا يشعر بهم الآخرون وقال تعالى في ذلك :
" أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ55/23نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ 56/23إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ57/23وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ58/23وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ59/23وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ60/23أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ "
سورة المؤمنون : 55_61
منقول