{ بسم الله الرحمن الرحيم }
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
أقدم لكم تقرير مصور عن زيارتي إلى دومة الجندل بمنطقة الجوف( قلعة مارد ، مسجد عمر )
موضوعنا عن منطقة مليئة بالتراث والجمال و العجائب ... لمنطقة جعلت شعارها : الجوف حلوة ... وهي كما وصفوها ...و هي من المناطق العريقة التي تحكي تاريخاً موغلاً في القدم فقد شاركت في صنع جزء هام من هذا التاريخ حيث كانت ذات صلة بالحضارات الإنسانية المبكرة من خلال موقعها المتميز بين جزيرة العرب وبلاد الشام وبلاد الرافدين ... ومن هذا الموقع الفريد أسس أهل الجزيرة حضارات عدة كانت الأرومة التي قامت عليها الحضارات الكبرى في التاريخ ... كانت الجوف ملتقى الحضارات ومحطة تبادل تجاري واتصال ثقافي يبن الأمم الغابرة ... ظهرت منطقة الجوف في العهد الآشوري كما أن هناك نصوص مكتوبة تتحدث عنها تعود إلى القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد ... كما تشير المصادر الآشورية إلى دومة الجندل بـأدوماتو أو أدمو ... وكذلك وقوعها ضمن ممتلكات قبيلة قيدار العربية ...
دومة الجندل
29.48.721
39.51.935
الارتفاع
632 متر

،
تقع محافظة دومة الجندل جنوب غرب مدينة سكاكا حيث تقع على صخور تنتمي إلى الدرع العربي وهي من أهم المناطق الجيولوجية بالمملكة ... وتبعد عن مدينة سكاكا عاصمة الجوف 50 كيلومتر وهي من أهم المواقع التاريخية والأثرية والحضارية في المملكة حيث تحتضن قلعة مارد الشهيرة ومسجد عمر بن الخطاب وحي الدرع وغيرها كما تشتهر بوفرة مياهها العذبة ... وكانت دومة الجندل عاصمة لعدد من الملكات العربيات مثل (تلخونو) و (تبؤه) أو (تاربو) ... وأشير إلى الملكات الأخريات بالاسم مثل (زبيبة) و(سمسي) و(اياتي) وقد أشير إلى هؤلاء الملكات بعبارات عامة كملكات عربيات دون تسمية عاصمتهن ... كان للعرب في الجاهلية أسواق في أنحاء مختلفة من شبه الجزيرة العربية يتجمعون فيها في مواسم معينة ويتبادلون البيع والشراء ... وقد عدت دومة الجندل من أقدم أسواق العرب وأهمها نتيجة لموقعها الجغرافي وتواجد عدد من القبائل العربية في المناطق المجاورة لها ... ففي الجاهلية (من القرن الخامس الميلادي وما قبله) كان من عادة القبائل أن تتجمع في دومة الجندل في أول يوم من ربيع الأول وحتى آخره لأغراض البيع والشراء ... وكان البيع في هذا السوق بيع الحصاة ( وهو نوع من أنواع المقامرة أبطله الإسلام ) كما ورد أن الاكيدر صاحب دومة الجندل كان يرعى الناس ويقوم بأمرهم أول يوم فتقوم سوقهم إلى نصف الشهر وربما يغلب على السوق بني كلب ويتولى أمرهم بعض رؤساء بني كلب ... فتقوم سوقهم إلى آخر الشهر وقد ذكر أن سوق دومة الجندل كانت بين الاكيدر العبادي من السكون وبين قنافة الكلبي ... وكانت غلبة الملكين أن يتحاجيا فأيهما غلب صاحبه بما يلقى عليه تركه والسوق يفعل بها ما يشاء ولا يبيع فيها أحد من الشام ولا من العراق إلا بإذنه ... ولم يشتر ولم يبع حتى يبيع الملك كل شيء يريد بيعه ... وكانت سوق دومة الجندل من الأسواق الكبرى للعرب إذ كان يشترك فيها الكثير من قبائلهم وخاصة كلب وغسان وطي ... وقد كان المتولون لأمر السوق يأخذون عشور التجار ولهم جباه يجوبون السوق ليأخذوا عشر ما يباع ... ويجب أن ننظر إلى سوق دومة الجندل من حيث أهميته التجارية فدومة الجندل تقع على الطرق الممتدة من وسط وشرق الجزيرة إلى سورية وجنوب فلسطين حيث كانت غزة ميناء رئيسياً حيث يشتري منه التجار منتجات المناطق الواقعة على البحر المتوسط ... ويرى بعض المؤرخين أن أسواق العرب تلك - سواء سوق دومة الجندل أو غيرها - إنما كانت بالأصل مواقع مقدسة بها أصنام تعبدها القبائل وتأتي للتقرب إليها في مواسم معينة هي مواسم حجها فتتحول تلك المواسم إلى أسواق للبيع والشراء فقد ذكر أن بني وبره كانوا يفدون إلى دومة الجندل للتقرب إلى (ود) وكان سدنته من بني الفرافصة من كلب ... بعد ظهور الإسلام وإرساء قواعد الدولة الإسلامية في المدينة المنورة في السنة الأولى للهجرة (622م)سعى المسلمون لنشر الدعوة في كل الاتجاهات بقدر ما تسعفهم به إمكاناتهم ... وفي حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد مماته اتجه الموفدون إلى مختلف أرجاء الجزيرة العربية لنشر الدعوة ... وتم تنظيم الغزوات من أجل هذا الهدف العظيم ومن الغزوات التي خرجت من المدينة المنورة كانت الغزوة الأولى لدومة الجندل والتي يقال أن الرسول صلى الله عليه وسلم قادها بنفسه وكان ذلك في السنة الخامسة للهجرة(626م) .. ابتدأت الغزوة الأولى لدومة الجندل في اليوم الخامس والعشرين من شهر ربيع الأول للسنة الخامسة للهجرة وعادت إلى المدينة في التاسع عشر من شهر ربيع الثاني كما ذكر الواقدي ... وقد كان مع الرسول صلى الله عليه وسلم ألف رجل ودليل من بني عذرة اسمه مدكور ... فلما وصل المسلمون إلى دومة الجندل وجدوها خالية لأن سكانها فروا بعد سماعهم بتقدم المسلمين وخلفوا وراءهم ماشيتهم وأمتعتهم التي غنمها المسلمون وعندما أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم رجالا للبحث عن الفارين من الأهالي لم يجدوا إلا واحداً أقنعوه بالرجوع معهم واعتنق الرجل الإسلام على يد الرسول صلى الله عليه وسلم ... ويظهر من الأسباب التي أدت بالرسول صلى الله عليه وسلم إلى القيام بغزوته هذه إلى دومة الجندل قيام جنود الاكيدر بالاعتداءات المتكررة على قوافل التجار المتجهة من المدينة إلى سوريا ونهبهم لبضائعهم ومؤنهم ... الغزوة الثانية: كانت في شهر شعبان في السنة السادسة للهجرة (يناير - فبراير 628م ) وعن سبب هذه الغزوة أن شر أهل دومة الجندل لم ينقطع عن تجار المدينة فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم سرية عليها عبد الرحمن بن عوف وأوصاه حين دفع إليه اللواء بقوله : ( خذه يا ابن عوف فاغزوا جميعاً في سبيل الله فقاتلوا من كفر بالله ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا فهذا عهد الله وسيرة نبيه فيكم ) ... ولما بلغ عبد الرحمن بن عوف دومة الجندل دعا أهلها إلى الإسلام فأسلم الأصبغ بن عمرو الكلبي - من كبار كلب - وأسلم معه ناس كثيرون من دومة الجندل ... الغزوة الثالثة: رغم حصول الغزوتين الأولى والثانية لدومة الجندل إلا أن الإسلام يبدو أنه لم يستتب فيها وهذا ما كان سببا للقيام بالغزوة الثالثة في السنة التاسعة للهجرة(630م) ويبدو أن الاكيدر حاكم دومة الجندل وعامل الإمبراطور البيزنطي (هرقل) واصل تعرضه للقوافل التجارية القادمة من المدينة المنورة بسبب إعراض التجار عن التوقف في مدينته ... وقد قام الرسول صلى الله عليه وسلم بإرسال خالد بن الوليد على رأس غزوة إلى دومة الجندل في السنة التاسعة للهجرة يرافقه أربعمائة وعشرون فارساً ... ويختلف المؤرخون فيما حققته هذه الغزوة ولهم في نتائجها أقوال كثيرة فمنهم من يقول أن خالداً أخضع دومة الجندل بالقوة وأخذ ملكها أسيراً إلى المدينة المنورة حيث أعلن الاكيدر إسلامه أمام الرسول صلى الله عليه وسلم بينما هناك الكثير من الروايات التي تذكر أن الاكيدر قد دفع الجزية مما يعني أنه لم يسلم ... وإذا ما افترضنا أن الاكيدر قد أعلن إسلامه فان من الثابت أنه قد ارتد عن الإسلام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وهنا يختلف المؤرخون في مصيره بعد ذلك فمنهم من يقول أن الخليفة عمر بن الخطاب أجلاه من دومة الجندل إلى الحيرة فنزل في موضع فيها قرب عين تمر و بنى فيها منازل وسماها دومة وقيل دوماء ...
زيارتنا الأولى فيها لمسجد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الأثري ...


،
يقع في وسط مدينة دومة الجندل القديمة ملاصقاً لحي الدرع من الجهة الجنوبية ويعد من المساجد الأثرية المهمة - إن لم يكن أهمها - على مستوى المملكة ويتبع أهمية المسجد من تخطيطه حيث يمثل استمرارية لنمط تخطيط المساجد الأولى ... ويذكر بتخطيط مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة في مراحله الأولى وكذلك تبرز أهمية هذا المسجد إلى كونه من أقدم المساجد الأثرية التي لم يتبدل تخطيطها ... وهذه صورة عامة للمسجد يظهر فيها المسجد بجزأيه وباحته ...

،
تقع مئذنة المسجد الشهيرة في الركن الجنوبي الغربي وتنحرف عن مستوى جدار القبلة وقاعدة المئذنة مربعة الشكل طول ضلعها 3م وجدرانها الحجرية تضيق إلى الداخل كلما ارتفعا إلى الأعلى حتى تنتهي بقعة شبه مخروطية ... يبلغ ارتفاعها الحالي 12.7م وقد استخدم الحجر في بناء المسجد والمئذنة كما هو الحال في القلعة ( مارد ) والحي المجاور ...

صورة أخرى للمئذنة وتظهر خلفها قلعة مارد الأثرية

صورة الدرج المؤدي لمسجد عمر والدرج المؤدي لمئذنة المسجد من الداخل

،
ينسب المسجد إلى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه ... ويقال أنه بناه سنة 17 للهجرة أثناء توجهه إلى بيت المقدس ... إلا أن أحد كبار الباحثين السعوديين يرى أن نسبة المسجد إلى الخليفة الثاني غير مؤيد بدليل ... ومهما يكن من الأمر فإن الناس قد تعارفوا على إطلاق اسم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على المسجد ...

وقد بني المسجد من الحجر ... ورمم أكثر من مرة ... وتوجد حوله مدينة دومة الجندل القديمة (وهي مهجورة) ...

أعيد ترميم بناء المسجد مؤخراً كما هو الظاهر إلا أن المئذنة بقيت محافظة على شكلها منذ أن بنيت قديماً ... وهذه صورة للمحراب ويظهر أثر التخريب والمخربشات واللامبالاة من قبل البعض - هداهم الله - ...

صور أخيرة للجزء الخلفي من المسجد وهي عبارة عن خلوة وهي مكان الصلاة في الشتاء حيث البرد الشديد وهذه صورة من الخارج ...

وصورة أخرى من الداخل

صورة لأبنية حي الدرع الأثري خلف مسجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه

قلعة مارد (( قصر أكيدر ))
29.48.710
039.52.030


تقع على تل مرتفع في دومة الجندل وتشرف على المدينة وتمثل حصناً منيعاً أمام الأعداء وهي شبه دائرية الشكل لها أبراج مخروطية الشكل بنيت في أربع جهات منها ... وأقدم ذكر لها يعود إلى حوالي القرن الثالث الميلادي عندما غزت ملكة تدمر زنوبيا دومة الجندل وفيها قالت : ( تمرد مارد وعز الأبلق ) والمارد في اللغة صفة لكل شيء تمرد ويستعصي ... يرجع تاريخ مدينة دومة الجندل وقلعة مارد إلى أكثر من ألفي عام عندما ورد ذكرها في مدونات من العصر الأشوري خصوصاً أن هناك نصوصاً مكتوبة ومفصلة تتحدث عن الجوف وتعود إلى القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد وتحدثت تلك النصوص عن مدينة دومة الجندل بوصفها عاصمة لعدد من الملكات العربية كما أسلفنا ...

أعيد بناء بعض أجزائها إلا أن القسم الأكبر منها ظل على حالته منذ إنشائها في قديم الزمان ... وشكل البناء الأصلي مستطيلاً إلا أن بعض الإضافات بما فيها أبراج مخروطية أحدث في أزمنة متأخرة والجزء السفلي من هذا البناء من الحجارة أما الجزء العلوي فهو من الطين ... وقد كشفت الحفريات القليلة والتي جرت على الجزء الأسفل من القلعة عام 1976م عن بعض الخزفيات النبطية والرومانية التي ترجع إلى القرنين الأول والثاني بعد الميلاد لكن تحديد الزمن الذي تعود إليه هذه القلعة لم يبت فيه حتى الآن إلا أن الحفريات التي ربما يقوم بها عالما الآثار الدكتور عبد الرحمن الأنصاري والدكتور خليل المعيقل للمدينة القديمة ربما توضح التاريخ الحقيقي لبناء هذه القلعة العتيدة ...
وهنا صورة لمدخل القلعة العلوي الأمامي من الداخل وهو ضيق بعض الشيء ...

بنيت القلعة من الحجارة على مرتفع يطل على دومة الجندل القديمة من الجهة الجنوبية ... بارتفاع 2000 قدم تقريباً ... ويعتقد أن القلعة قد بنيت في الألف الثانية أو الثالثة قبل الميلاد ... وتتكون القلعة من سور فيه فتحات للمراقبة ... ولها برجان بارتفاع 12م ...

صورة أخرى تُظهر الأبراج

أما مبنى القلعة الرئيسي فيتألف من طبقات ... إحداها للحرس والثانية للرماية ... والثالثة للمراقبة وهكذا ...

الممر العلوي الخلفي من القلعة

منظر علوي لملحقات القلعة وسورها والممر الذي جعل لها للزائرين حيث البوابة الوحيدة التي يمكن الدخول للقلعة منها ... ويتبين في الصورة الأبراج السفلية الصغيرة وحجرة بجانب البرج وكذا الحجرة الكبيرة والتي يبدو أنها مكان الطبخ ...

صورة علوية للمسجد التابع للقلعة وليس مسجد عمر

صورة أخرى من الأسفل

تحيط بالقلعة الكثير من المزارع وهذه صورة علوية لبعض المزارع المحيطة بها

هنا ينتهي تقريري المصور عن زيارتي لقلعة مارد ومسجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بدومة الجندل
وأنوه إلى أنه تم الإستعانة بموضوع للأستاذ " رسلان " من أحد المنتديات ، في الكثير من المعلومات التي زخر بها تقريره عن القلعة ...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،