الانتفاع بالقرآن الكريم/ابن القيم





(إ ذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه, وألقى سمعك, ,احضر حضور من يخاطبه به من تكلّم به سبحانه منه اليه, فانّه خطاب منه لك, على لسان رسوله, قال تعال:** انّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}.




وذلك أن تمام التأثير لمّا كان موقوفا على مؤثر مقتض, ومحل قابل, وشرط لحصول الأثر, وانتقاء المانع الذي يمنع منه, تضمّنت الآية بيان ذلك كلّه بأوجز لفظ وأبينه, وادلّه على المراد.




فقوله تعالى:** انّ في ذلك لذكرى} اشارة الى ما تقدّم من أوّل السورة الى ها هنا وهذا هوالمؤثّر.




وقوله:** لمن كان له قلب} فهذا هو المحل القابل, والمراد به القلب الحيّ الذي يعقل عن الله, كما قال تعالى:** ان هو الا ذكر وقرآن مبين.لينذر من كان حيّا} . أي حي القلب.




وقوله: {أو ألقى السمع} أي وجّه سمعه وأصغى حاسّة سمعه الى ما يقال له, وهذا شرط التأثّر بالكلام.
وقوله: {وهو شهيد} أي شاهد القلب حاضر غير غائب.




قال ابن قتيبة: " استمع كتاب الله وهو شاهد القلب والفهم, ليس بغافل ولا ساه". وهو اشارة الى المانع من حصول التأثير, وهو سهو القلب, وغيبته عن تعقّل ما يقال له, والنظر فيه وتأمّله. فاذا حصل المؤثر وهو القرآن, والمحل القابل وهو القلب الحي, ووجد الشرط وهو الاصغاء, وانتفى المانع وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب, وانصرافه عنه الى شئ آخر, حصل الأثر وهو الانتفاع والتذكّر)