الله اكبر(اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم
نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه
من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس؛
وأبدله دار خيرا من داره ..
وأهلا خيرا من أهله...
• بالضبط عند هذه النقطة من الدعاء، كثيرا ما اسرح بذهني بعيدا عن صف المصلين الذي فيه لأتذكر ذلك الشاب..
لم أره منذ مده ربما أكثر من عشر سنوات.
كان آخر لقاء لنا على مقاعد الدارسة ، وبعدها فرقتنا مشاغل الحياة وسنين دارسة أخرى طويلة .
ثم انقطعت عنى أخباره حيث انه خرج ليواصل دراسته الجامعية خارج البلاد.
كان صاحب عقل متقد، وذهن صاف فأتم دراسته بتفوق ثم عاد ليعمل في إحدى المؤسسات المعروفة.
سمعت بعودة صاحبنا ..فذهبت إلى مكان عمله لأراه ،علنا تجدد عهوداً ماضية،والأعرف أخباره . وعندما التقت الوجوه ابتسم كل من لصاحبه ابتسامة عريضة ،
وكان عناق وضحك..
ثم قلت له :
لقد نحفت يا عبد الله
فعلا لي مازحا
وماذا كنت من قبل حتى انحف أكثر
هم ضحكنا
هوعبدالله الذي اعرف ، بروحه المرحة وابتسامته العريضة ، ونظارته السميكة التي تطل من خلالها عنياه الذكيتان..
قلت له مداعبا
المم تتزوج بعد أيها العجوز
بل أبشرك إني قد قعدت على بنت الحلال وأنا على وشك أن انتهي من تأثيث الشقة. ولم يبق سوى تركيب المكيفات وبض الكماليات الأخرى لزوم الفرح كما تعرف
ففرحت وباركت له وأنا أقول
لا تنس أن تدعونا لوليمة عرك إذن
ثم أنني اخذت منه موعدا على ان يزورني في بيتي حتى نجلس سوياً ويعرف كل منا أخبار صاحبه ، وأعطاني رقم هاتفه .
حصلت ظروف طارئة منعتني من رؤية عبد الله في الموعد المضروب . فكلمته الهاتف لنؤجل موعدنا إلى وقت آخر ، فرحب بذلك وكانت ظروف عمله هو الأخر غير مواتية ، فكانت تستلزم أن يسافر بسيارته من منطقة إلى منطقة بين الفنية والأخرى.
وفي احد الأيام عنت له سفره إلى إحدى المناطق القريبة فلملم حاجياته وانطلق بسيارته.
كنا قد انتهينا للتو من صلاة المغرب ، فأسندت ظهري إلى المتكأ وأنا اردد الأذكار . وبقيت على تلك الحال برهة من الزمن : ثم أحسست بهاتفي المحمول يهتز داخل جيب الثوب .
أخرجته ونظرت إلى رقم المتصل فإذا هو احد الأصحاب ممن لممن أرهم منذ فترة .
رفعت الهاتف إلى إذني مسلما على صاحبي لسلم ورحب لي على عجل على غير العادة ، ثم قال بنبره جادة
تعرف الأخ عبد الله
انقبض قلبي وأنا أقول خير إن شاء الله ماذا أصابه ؟!!
الأخ توفى اليوم ..
....كيف ""
أقول توفى الأخ في حاث سيارة ،وسيصلى علية اليوم بعد العشاء في الجامع ..
أقفلت الهاتف وقد انعقد لساني من فرط المفاجأة ، لو أكن مصدقا ولم استطع أن اصدق ولذا فقد عزمت أن اخرج فوراً وأتأكد من الأمر بنفسي .
زحام شديد عند الجامع , وأناس من جنسيات مختلفة , وكثير من زملاء عبدالله في العمل موجودون هنا .
وقف أبو عبدالله يستقبل جموع المعزين وهو يحاول أن يخفي اضطرابا وألما دفيناً . جاءت (ما يقول الناس ) أنها جثة عبدالله محمولة على الأكتاف .
صلينا على عبدالله ، وكلنني لم أزل غير متيقن تماماً بأنه قد رحل ربما كان في غيبوبة وظنوه ميتاً هذا يحصل أليس كذلك ؟
انطلقت أسابق الريح بسيارتي إلى المقبرة ، أريد أن أرى عبدالله قبل أن يدفن
هل مات فعلا
وضعوه على الأرض ملفوفا بكفنه ، اقتربت منه وأخذت أتفحصه وأتساءل هل من بداخل الكيس هو عبدالله حقا
واخذ دماغي يثور بالأسئلة
ولكن ياعبدالله لقد تخرجت من الجامعة لتوك ، ولا يزال أمامك الكثير من الأعمال لتقوم بها
نجاحات كثيرة تنتظر منك أن تحققها ..
وفتاة أحلامك هناك تنتظرك ....؟
والشقة التي أكملت تأثيثها ...
والمكيفات ...
و... و ... موعدنا
هل تسمعني يا عبدالله ؟
هذه هي المرة الأولى التي أجيء فيها المقبرة ليلاً.
مصابيح إنارة متناثرة هنا وهناك ، بعضها يرسل شعاعا قويا متوهجا ً ن وبعضه يرسل شعاعا كثيبا باهتا .
بالنسبة للميت ، ليس هناك فرق بين الليل والنهار ،فالحفرة مظلمة في كل وقت إلى من نور عليه قبره .
هاهو عبدالله تحتمله الأيادي ثم ينزل في قبره .
بدأوا يهيلون علية التراب..
الأيادي مغبرة ، والأعناق مشرئبة ، والعيون دامعة .
وأخذت ارمقه ..
هل سيتحرك ؟ هل سيتحرر من كفنه وينفض التراب عنه وينتهر من حوله : كفو عن هذا
لم يحصل شيء من ذلك ..
واستمر التراب يعلو ويتراكم حتى استوت معالم القبر مع ما حولها من الأرض
إذن ....
ها أنذا أمسح رقم هاتف صاحبي من مفكرة الأرقام ، وفقد صار ليغيره ، ولكنني لم أجرؤ على مسح اسمه ، وأبقيته لأسترجع أشلاء من ذكراه .
لقد كانت المرة الوحيدة التي التقيت فيها عبدالله بعد عودته من الخارج وهي تلك المرة عندما زرته في مقر عمله ، ولم تدم تلك الزيارة سوى بضع دقائق .
ولكنه علمني شيئا مهما بموته ..
وهو أن كون الإنسان مشغولا جداً وعنده الكثير من الالتزامات والمواعيد وورائه كثير من الناس الذين ينتظرون لقائه أو ينتظر هو لقائهم .
لافراق !!
كل ذلك لن يجعل هادم اللذات يتردد ثانية واحدة في أن يضرب ضربته من دونما موعد ولا استئذان .[/font]