الأبعاد النفسية في اتهامات عكاظ بالمثلية
( نشرت صحيفة عكاظ في العدد( 3806) ليوم الجمعة 22ذو الحجة 1432هـ الموافق 18/11/2011م تقريراً عن انتشار ظاهرة تناول القات في منطقة جازان وانتشار المثلية الجنسية كما زعم التقرير.. بقيادة المايسترو الدكتور سامي إبراهيم الحربي...)
في التقرير جهد مكثف، بخطايا مبطّنة، وتهم بالكبائر مباشرة، وغير مباشرة. ليست رمزية، أو مشار إليها لمجرد الإشارة. ثمة أبعاد عدوانية أخرى لكي نفهمها علينا أن نستند إلى مباحث أعم وأشمل، وأنفع وإلى مراجع دينية، وطبية، وليست شخصية، أو تصفية حسابات غبية. لنذهب بعيداً إلى مراجع هامّة لفهم الأبعاد النفسية التي خلفتها جدتنا المخرّفة عكاظ.
علينا أولاً: أن نصل لتعريف صريح للمثلية. وما موقف الدين والقانون منها؟ وهل المثليين بشر عاديين ظاهرين للمجتمع، أم هم خفيين كالأشباح؟ ثم ما الأسباب الداعية إلى انتشار المثلية؟ وهل القات من هذه الأسباب التي أجرى العلماء الكبار أبحاثهم لإثباتها؟ آلاف الأسئلة تلد يا جازان البريئة، وعلينا أن نحتمل مرارة البحث والتحريّ، وجهد القراءة والتمّعن للوصول لإجاباتها والرد كما ينبغي بتؤدة وتأني. لا بأس عليك أيتها المدينة الطاهرة. احتملي ذنوب غيرك، وامسحي في أجسادنا شراسة المتشبثين بطهارتك لتدنيسك. أكانت الصحيفة تعي معنى المثلية حتى تزج بثوبها الذي خاطته لها جازان بعقولها منذ القدم؟ المثلية يا عزيزتي عكاظ: هي " مصطلح يشير إلى كل من السلوك والانجذاب الجنسيّين بين الأشخاص من نفس الجنس. بما يتضمن ذلك من انجذاب جنسي وعاطفي تجاه الآخرين من نفس الجنس. ولا يتضمن السلوك الجنسي بالضرورة. والمثليون أشخاص طبيعيون ولكن ميولهم الجنسي مختلف."
ثم ما لحكم الشرعي للمثليين(اللوطيين) و(السحاقيات) إذا ثبتت عليهم الجريمة؟ هل كان لعكاظ ان تعي الأبعاد الدينية عندما لخصت تقريرها؟ أم نسيّت أنّ في جازان علماء دين، وعلماء اجتماع، وعلماء محاورة؟ حكمت على 70% من سكّان مدينة تصليّ جميع الصلوات الخمس مع المسلمين، بالإعدام تنفيذاً للحديث الشريف: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
إنه لا يوجد بالمعاصي مفسدة أعظم من مفسدة (المثلية) اللواط والسحاق. وهى تلي مفسدة الكفر وربما كانت أعظم من مفسدة القتل. رفقاً بنا ياعكاظ .. جعلتنا أمواتاً لتحيي أنت، عاقبتنا قبل يوم الحساب! ثم إن المواقف الاجتماعية والنظرة للمثلية تختلف من بلد لآخر لا فرق بين المذاهب الدينية، والرؤى الاجتماعية.. فمثلاً: هناك بلدان تعدم المثليين من الجنسيين، و هناك بلدان تسجنهم من شهر إلي 10 سنوات أو مؤبد، و هناك بلدان تعترف بهم و تمنحهم حق الزواج. فأيّ عقوبة برأيك يا عكاظ تناسب أهالي جازان الآن ما دام سفيرك وصوت تقاريرك أبلغ العالم بأكمله أننا مثليين، ورجمنا علناً وليس بظهر الغيب!؟
ثم علينا وعليه وعلى عكاظ أن نعي أن أسباب المثلية ودوافعها ليس القات كما ادعى صوت الخطأ. لم أجد مبحثاً واحداً يشي بأن من أسباب المثلية القات غير بحثك، وبحوث أخرى لم تسم جازان وتفردها في التهمة، بل ولم تحدد لها هذه النسبة، والطامة الكبرى. وحدك من لفظ حجر غيرته على رجحان العقل الجيزاني، ونظارة ذهنه. كل أسباب المثلية ودوافعها يمكننا تلخيصها والرجوع إليها اجتماعياً، أو علمياً، أو حتى تنظيرياً ومع هذا القات ليس منها.
يمكنني أن ألخص لك درساً تقرأه عندما تجلس إلى نفسك لتراجع حساباتك، وأبحاثك في أسباب ودوافع المثلية فمنها: (تأثير العلاقات الاجتماعية و الإنسانية. العنف الأبوي أو العائلي.الإيذاء النفسي. الحساسية المفرطة. الإساءة الجنسية. التحرش الجنسي أو الاغتصاب. عدم تطور الشخصية الذكورية عند الأولاد، أو الشخصية الأنثوية عند البنات. الفشل في الانتماء للذكور بالنسبة للولد، أو للإناث بالنسبة للبنت. الإحساس بالحرمان العاطفي وبالجوع للحب من نفس الجنس. التعرف للسخرية من الأقران أو للعنف المدرسي. عدم الوعي الجنسي...) أرأيت؟ القات ليس سبباً من هذه الخريطة الواسعة يا دكتور. ربما ستقول هو دافع من الدوافع للوصول إلى أحد هذه الأسباب. ليكن.. ليكن دافعاً، ولكن يجب أن تفند النسب لا تعمم فتصبح كارثة !! . عد إلى تقريرك الآن واقرأه من جديد ورتّب أبعاده النفسية التي لم تضعها بحسبانك، ولم تنبهك عليها الجدّة المخرّفة عكاظ.
ثم إنه من الأبعاد النفسية في اتهامات عكاظ بالمثلية.. أننا سنتحول من خلال التقرير الذي باركته عكاظ إلى حيوانات كي نرتكب هذه الفاحشة، فهي حالة جنسية متواجدة بالحيوانات وتحديداً بالطيور البحرية، والثديات، والقرود، والسعادين. أكنّا أحد الأصناف الحيوانية هذه في نظرك عندما أجريت بحثك؟!
جازان يا مدينة المياه، يا حدود الوطن المباركة، يا دفئاً لجبين الملوك. يا عقلاً يسير بالوطن، لا تحزني. سندافع عنك بإيماننا. وسنكون دوماً كما عهدتنا أبرياء.
تعالوا معاً نسترجع قراءة التقرير لنثبت أبعاداً نفسيةً أخرى، وتهماً غير المثلية. استقطاعاً من التقرير يقول: " رغم بيان نظام مكافحة المخدرات لأضرارها الكبيرة على الأسر وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة، ودورها في عرقلة عجلة التنمية في البلاد" دور القات في عرقلة عجلة التنمية في البلاد! أأصبح القات، وآكليه لهذا الحد عقبة ضخمة في وجه رغبة المملكة العربية السعودية في التطوير، والتنمية؟ ألم أقل لكم أنّ بالتقرير تهماً أخرى، وأبعاداً نفسية خفية قد لا يعيها القارئ العاديّ. برأي الشخصي التقرير مرسم فنيّ، أعدّ له بطرق ملتوية، وعبارات مفخمة. وسلوك نفسي حذق. فهو يقول أيضاً: " كما أن الفساد الاجتماعي الناجم عن تعاطي القات يتجاوز الفئة الصغيرة من الموظفين إلى فئات أعلى يمكنها التعاطف مع المهربين والمروجين". تهمة أخرى وبعد نفسي آخر غير المثلية. أصبح الموظفين أيضاً عرضة للرشوة، وخيانة الوطن. أيعقل أن يبيع موظف حكومي أمانته، ويدفع ببلده إلى سوق سوداء سريّة الضحية فيها الوطن العزيز والغالي على صدره؟!
ثم يقول: "وهناك أكثر من 500 أسرة تضررت بسجن ولي أمرها نتيجة تعاطي القات وتهريبه، مهيبا بجهود الدولة في مساعدة أسر السجناء وتقديم كافة المساعدات والعون لهم حتى يتغلبوا على ظروف الحياة المعيشية فترة قضاء محكومية عائلهم." أيضاً المساعدات تصرف لذوي سجناء المخدرات، والمواطنين العاديين. لم تكن حكراً على 500 أسرة عائليها من مهربي القات. عد يا دكتور من جديد وتعمّق في البعد النفسي الذي ورثه تقريرك. الوطن لا يمن ولا يؤذي بعطاياه أحد. وما دام الوطن يراعي مصالح السجناء فهل تظن أنه سيغفل عن تحقيق واجباته في ضوء كون السجين أحد مهربي القات أو خلافه؟!
في التقرير أبعاد نفسية رسمت خطوطها بحيل ظناً أنها ستمر على القراء بسلام.
وللعلم فإن تقرير منظمة الصحة العالمية الصادر بعام (1993م) والذي أشار إلى أن احتواء القات على مواد منبهة ومنشطة لها أثار سلبية على جسم الإنسان ونشاطه وعلى عملية التفكير والإدراك لدى المتعاطي إلا أنه لا يمكن مقارنته بالمواد المخدرة والمعروفة بل أشار التقرير على أنه من المنبهات التي تندرج تحت الانقياد النفسي فقط أو أنه لا يندرج تحت قائمة الإدمان.
ما رأيك يا عكاظ بهذه الأبعاد النفسية الآن؟ وما رأي ولاة الأمر في هذه التهم الملقاة دون إثبات، ووعي، أو صحة؟
أخيراً لا يمكنني القول سوى: إليه عندما حاول العبث مع جازان وأبنائها. أيها المبدع في اختلاق أزمة فلسفية! لقد عاديت نفسك قبل أن تعادي النبلاء. مروه فل يراجع أوراقه قبل أن يتهم الأبرار.
جابر محمد مدخلي