كان صقيع ليل سرمدي..في وسطه القمر المفضوح..والنجوم عرائس ذلك القمر..كان شاردا متأملا للبحر الذي أمامه..الذي يعشقه..الذي كان له صديقا ومازال..
أتته بخطوات متأنية حاملة في قلبها حنانا له..وضعت يدها على كتفه..قطعت عنه حبل أفكاره ركز النظر فيها..كأنه لم يرها منذ زمن..
لم يبحر في البحر الذي أمامه..بل بحر في عينيها..في معاني الحب التي فيها..
انبهر لابتسامتها الساحرة..التي عودته أن يشاهدها بها رغم ظروفهما الحياتية..
ينظر لهذه الأنثى التي فتحت باب قلبها له..تحملت كل الهموم..كل المشاكل والآلام..وكل مايواجهها في كنف هذه الحياة..
همست له:
بأنها اشتاقت اليه..إلى حنينه وأشواقه واخباره..إلى نغماته..التي تزيل عنها تعب يوم كامل..تعب يومها الذي تقضيه خارج المنزل..فهي التي تعمل وهو يصارع ظروفه..وحياته مليئة بالفراغ وبالهدوء وشبه يأس..
تأملت عينيه..عرفت مساحات الأسى والجراح التي يحملها في صدره..
فهو الذي علمها كيف يمكن للعيون أن تعبر قبل أن تنطق الشفاه..
قال لها بنبرات صوت يشوبها الأنين وكلمات ممزوجة بالإحباط:
لم أعد احتمل الصراع..لاأدري ماذا أفعل؟؟ إنني لاأستطيع أن أعطي كا تعطيني..إنني أصرخ وأتألم كل ليلة..واكتم حزني داخل قلبي وبين اضلعي..
مللت من كل شئ..مللت نفسي..تفكيري..حتى أحلامي منعتني إعاقتي من تحقيقها..
أرادت أن تخفف عنه مايحس به..
قالت له:
إن تعبي الذي أتعبه لذة أستمتع بها,,
قاطعها:
تقولين ذلك لتخففي من معاناتي..لاتحاولين..إنه واقعي..
شخص عاطل عن العمل..لااملك شيئا..
من قال ذلك؟؟...بل تملك وتملك..
تملك لسانا تبوح به عن مشاعرك..وذاتك..وآرائك..وعن كل ماتود أن تقوله
وتبوح به..
تملك يدين تكتب بهما ماتريد أن تكتب..تحمل القلم لتسطر به العبارات..
وتخط به اجمل المعاني والكلمات..
تملك عينين..تمتعهما بالنظر والقراءة لما تريد..تملك عقلا يميز ويفكر ويبدع..
تملك قلبا ينبض بالحب والحنان..تملك....؟
قاطعها:حمدا لله..
قالت: إذن تفكر فيمن لايملك شيئا منها..أو فقد جزءا منها..
ماذا سيقول عن نفسه؟؟
سيقول بأنه عاطل..سيرفع الراية البيضاء..ويقول هذه معاناتي..وسأستسلم
لواقعي..
لو ان كل واحد حمل في نفسه الألم واليأس والتشاؤم..وتنصل من الأمل والإيمان والتفاؤل..تخيل كيف سيكون عالمنا الذي نعيشه؟؟
سواءا كان معاقا أو سويا..فالعمل والإبداع والطموح..لايقتصر على الأسوياء..بل يشمل كل من أراد الحياة..كل من استطاع أن يتوافق مع احداثه ومحيطه..كل من يحاول ان يصنع من غده مجدا ويرسم ملامحه بثقة ويجتاز كل معوقات الحياة في سبيل الوصول لهدفه واحلامه..
فقط قليلا من الإرادة والصبر والتوكل على الله..
عزيزي:
أجزم أنه بالرغم من آلامك التي تلقيها في حضن البحر إلا أنك مازلت تملك الأمل..
صدقني سعادتي عندما أراك تفتح صفحة جديدة من حياتك..وتغير من واقعك الذي تعيشه..
انظر لشروق الشمس وخيوطها الذهبية تصافح موج البحر..
تشرق لتعلن لنا أنها عادت من جديد..ومحت كل آثار الأمس..
نظر إليها..وعينيه مليئة بالدموع..
قالت بصوت حنون:
أتبكي؟؟..
وبكل رقة مسحت دموعه وهي تقول:
إنــــــــــــــــك أغلـــــــــــــــى شخـــــــــــــــص فـــــــــــــي حياتـــــــــــــي.