لقاء
تسمرت في مكاني ، شهقت شهقة عميقة ، توقفت عيناي في المآقي تحدقان صوبها متأملة تفاصيل وجهها ، اقتربت مني بتؤدة ، توقفت لحظة ، تأملتني خلالها بدقة ، ساد الصمت من الطرفين وسط زحام الشارع وضوضائه ، تمالكت نفسي المتهالكة ، استعدت شيئاً من رباطة جأشي ، تقدمت نحوها خطوة ببطء .
تحرك لساني بصعوبة وتمتمت شفتاي بكلمات متقطعة ...
قلت لها هل أنت ( ...... ) هزت رأسها مبتسمة فبدت لي ذكريات جميلة عشتها معها كشريط سينمائي مر في ذاكرتي .. نعم .. إنها ذكراها التي لا تمحى من جدار الذاكرة ، كنت أراها شاغلة فكري وساكنة قلبي ومصدر سعادتي وحزني ، كنت أحلم برؤيتها ليل نهار ، أستذكر ضحكاتها كل يوم ، أحس بلمساتها الحانية على رأسي التي تعج بآلاف الرؤى والأفكار ..
كنت أستعرض تلك الصور والذكريات ، وأتقدم نحوها ببطء حتى لم يعد بيني وبينها سوى مسافة قصيرة جداً ، أشارت بأصبعها نحوي قائلة : هل أنت ( .... )
قلت : لها نعم ..
حينها تذكرت أول لقاء بها عندما أقبلت تمشي بثقة مطلقة بنفسها ، رافعة رأسها بشموخ وعزة ، ترسل شلالات شعرها الذهبي على كتفيها لتداعب نسمات الصباح بعناد وكبرياء ...
رمشت عيناي فسالت منها دموع ساخنة .. قلت لها :
أما زلتي تعتبريني حبيبك ؟؟
أجابت : نعم ، فأنا كذلك ما دامت عروقي تنبض بالحياة .
قلت لها : وهل تذكريني بعد هذا العمر كله ؟؟
قالت : وكيف لا .. وأنت بحر الحنان الذي غمرني حين افتقدت مصدره الحقيقي
وكيف لا .. وأنت الذي غرس في نفسي معنى الحب وإرادة الحياة ..
وكيف لا .. وأنا التائهة الحيرانة التي تبحث عن ملاذ تأوي إليه ..
عند ئذ أطرقت قليلاً ثم رفعت رأسي فقرأت ملامح الحزن على وجهها حيث كانت لكلماتي وقع مؤثر في نفسها ، دنوت منها ، مررت يدي على شعرها بحنان وشعرت معها بالطمأنينة والراحة والآمان ، أحسست بالدفء يتخلل مفاصلي وبالفرح يملاْ جوارحي ، أحسست لحظتها أنني ما زلت في نظرها ذلك العاشق الولهان ، شاغل فكرها وساكن قلبها ..
نعم إنها الحياة بحلوها ومرها ، إنها الحياة بمفارقاتها العجيبة ، تفقد من تشاء أعز ما يملك ، وتمنح من تشاء أغلى وأجمل ما يحب ويبتغي ..
إنها إرادة الله في خلقه .....