قصيدة تأثرت بها أيما تأثر , فانهمرت من مقلتي الدموع , وكم أبكت قبلي من عيون في كل الربوع
وكأنها سيل أو مطر يسقي الزروع, أو كأنه سائل يسقط من فوق الشموع

منْ ذَا الذِي قَدْ نالَ رَاحةَ فِكرهِ * فِي عُمره مِنْ عُسْره أو يُسْرهِ ؟

يلقَى الغَنِيُّ لحفظه ما قد حَوى * أضْعَافَ ما يَلقى الفقيرُ لفقرهِ

فَيظلُّ هذا سَاخطاً في قله * ويظلُّ هذا ثاعباً في كثـرهِ

والجنُّ مثلُ الإنس يَجري فِيهمُ * حُكْم القَضاء بِحُلوه وبمُره

فإذَا المَريدُ أتى ليَخطفَ خَطفةً * جاءَ الشِّهابُ بحَرْقِه وبزجْرهِ

وَنبيُّ صِدقٍ لا يَزالُ مُكذَّبًا * يُرمَى بباطلِ قولِهم وبِسحرهِ

والعالِمُ المُفتي يَظلُّ مُنَازعاً * بالمشكلاتِ لدى مَجالسِ ذِكرهِ

فَالويلُ إنْ زلَّ اللسانُ فَلا يُرى * أَحدٌ يُساعِدُ في إقامةِ عُذرهِ

أوَ مَا ترى المَلكَ العزيزَ بجُنده * رَهنَ الهُمومِ على جَلالة قَدرهِ

فيَسرُّهُ خبرٌ وفي أعقابِه * خبرٌ تَضيقُ به جوانبُ قصرهِ

ومُؤَازرُ السلطانِ أهلُ مَخاوف * وإن استبد بعزه وبقهرهِ

فلربما زلتْ به قدم فلم * يرجع يساوي في قلامة ظفرهِ

وأخو العبادةِ دهرُه مُتنغصٌ * يَبغي التخلصَ من مخاوفِ قبرهِ

وأخو التِّجارةِ حائرٌ مُتفكرٌ * مما يُلاقِي من خسارةِ سعرهِ

وأبو العيالِ أبُو الهمومِ، وحَسرةُ الـ * ـرجل العقيمِ كمينةٌ في صدرهِ

وكل قرين مضمر لقرينه * حسداً وحقداً في غناه وفقرهِ

ولرب طالبِ راحةٍ في نومه * جاءتْه أحلامٌ فهام بأمرهِ

والطفل من بطن أمه يخرجُ * غُصصُ الفِطام تروعه في صغرهِ

والوحشُ يأتيه الردى فِي بَره * والحوتُ يلقَى حَتفه في بَحرهِ

ولربما تأتِي السباعُ لميتٍ * فاستخرجته من قرارة قبرهِ

ولقدْ حسدتُ الطيرَ في أَوكارها * فَوجدتُ منها ما يُصادُ بوكرهِ

كيفَ التلذذُ في الحياةِ بعَيْشَةٍ * مَا زالَ وهو مروع في أسرهِ ؟

تاللهِ لو عاشَ الفتى في أهلهِ * ألفاً من الأعوامِ مالكَ أمرهِ

متلذذاً معهمْ بكل لذيذةٍ * متنعماً بالعيشِ مدةَ عُمرهِ

لا يعتريه النقصُ في أحواله * كُلاًّ ولا تَجري الهموم بفكرهِ

ما كان ذلك كلُّه مما يفي * بنزولِ أَوَّلِ ليلةِ في قبرهِ

كَيْفَ التخلصُ يا أخِي مِما تَرى؟ * صبراً على حُلو القضاءِ ومرهِ !

للإمام العلم الكبير الهمام الحافظ أبو يوسف ابن عبدالبر القرطبي رحمه الله