الإيمان
جزى الله الإيمان عنا خيراً ، فلولاه لثقلت على عواتقنا هذه الهموم التي نعالجها ، ولولاه لعجزنا عن أن نتنفس نفس الراحة
الذي يعيننا على المسير في صحراء هذه الحياة القاحلة ، فهوا النجم الخافق الذي يلمع من حين على حين في سماء الليلة
المظلمة المدلهمة فينير أرجاءها ، وهو الدوحة الفينانة التي يلجأ إليها المسافر من حرور الصحراء وسمومها ، فيجد في
ضلالتها راحته وسكونه ، وهو الجرعة الباردة التي يظفر بها الظامئ الهيمان فينقع بها غلته ، ويفثا لوعته ،
وهو المطرة الشاملة التي تنزل بالأرض القاحلة ، فتهتز تربتها وتحيي ترابها ، وتبعث في صميمها القوة والحياة .
وهل كنا نستطيع أن نبقى لحظة واحدة في هذه الدار التي لا نفلت فيها من هم إلا إلى هم ، ولا نفرغ مصيبة إلا إلى مصيبة
لولا يقيننا أن هذه الطريق الشائكة التي نسير فيها إنما هي سبيلنا الوحيد الذي يفضي بنا إلى النعيم الذي أعده الله في
جواره للصابرين من عباده ؟ وهل كان في استطاعة مريضنا الذي يئس من الشفاء ، وفقيرنا الذي عجز عن القوت ،
وثاكلتنا التي فقدت واحدها من حيث لا ترجو سواه ، أن يحتفظوا بعقولهم سليمة ، ومداركهم صحيحة ، وعزائمهم متماسكة
لولا أنهم يعلمون أن حياتهم لا تنقضي بانقضاء أنفاسهم على ظهر الأرض ، وأن هناك حياة أخرى في عالم غير هذا العالم
لا سقم فيه ولا مرض ، ولا بؤس ولا شقاء ...