وهذا جزء من خطبة سابقة لفضيلة الشيخ سعود الشريم
فاقد التواضع –عباد الله– إنما هو امرؤ استكبره الكبر الغائل والعجب الغالب، فهو عنيد صلب، به يخبو قبسه، ويكبو فرسه.
فاقد التواضع عقله محصود؛ لأنه بعجبه وأنفته يرفع الخسيس، ويخفض النفيس، كالبحر الخضم تسهل فيه الجواهر والدر، ويطفو فوقه الخشاش والحشاش، أو هو كالميزان يرفع إلى الكفة ما يميل إلى الخفة.
فاقد التواضع -عباد الله- عديم الإحساس، بعيد المشاعر، شقي لا يتعظ بغيره، غير مستحضر أن موطئه قد وطأه قبله آلاف الأقدام، وأن من بعده في الانتظار.
ألا وإنه ما رؤي أحد ترك التواضع وترفع على من هو دونه إلا ابتلاه الله بالذلة لمن فوقه، ومن استطال على الإخوان فلا يثقن منهم بالصفاء، من تكبر فلم يتواضع فقد رمى بثقله في ثلاث خصال مذمومة:
أولها: أنه لا يتكبر على أحد حتى يعجب بنفسه، ويرى لها الفضل على غيرها.
وثانيها: ازدراؤه بالناس من حوله، لأن من لم يستحقر الناس لم يتكبر عليهم، وكفى بالمستحقر -لمن أكرمه الله بالإيمان- طغياناً، وأنى للمستكبر أن يستعبد الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً.
وثالث الخصال: منازعة الله جل وعلا في صفاته، إذ الكبرياء والعظمة له وحده، يقول سبحانه في الحديث القدسي: ((الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، من نازعني واحداً منهما ألقيته في جهنم)) [رواه مسلم].
ألا فليت شعري ما الذي يحمل الكثيرين على أن يركنوا إلى العجب والأنفة وينأوا بأنفسهم عن التواضع وخفض الجناح، أفيكون السبب في ذلك فطرة يُفطر عليها المتكبر، فيدعي جبليتها وصعوبة الخلاص منها، كلا والله فالنبي يقول: ((إن الله أوحي إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد)) [رواه مسلم].