ما يحدث في محافظة الحرث (الحد الجنوبي) من صبيحة عيد الفطر المبارك إلى اليوم, من اعتصامات لم يكن بالأمر المفاجئ لي فقد بلغ سقف الشعور عندي ذروته بحدوث مثل هذا, مذ شاع نبأ العزم بتسكينهم بيوتا غير بيوتهم وبيئة لا تشبه بيئة الغيم والمطر في شيء. تلك الاعتصامات البيضاء كبياض قلوب أهل هذه الديار وابتهالاتهم التي لا ترجو إلا العودة لأرض الآباء والأجداد ومراتع الصبا بأنفة تضاريسها الشمّ وعبير مروجها, التي شكلت مجتمعة إنسان الحرث وأزكت نفسه وأصالته. لم أتفاجئ, لأنه من الصعب أن يتخلى بشر امتزجت روحه بأرض كالحرث ويستبدلها بصخب المدنية ومحاضنها الجافة التي ستلعب سلبا في نسق المجتمع الخاضع للتحويل القسري وخلط مفاهيمه.. ناهيك عن كتلة الضغوط النفسية جراء البعد عن الديار والممارسات التعسفية التي وقعوا تحت وطأتها من قبل اللجان المكلفة بملف قضيتهم طيلة أكثر من ثلاث سنوات, تجرعوا خلالها صنوف الضيم والتنكيل والامتهان. تلك الصنوف التي لا ينكرها كل من عايش المرحلة عن قرب ولا تربطه بـ "طفاح" ومن شايعه صفة. أفبعد كل هذا ننكر على المعتصمين ونلومهم ونشيع المزايدة في حب الوطن والانتماء , وقد كان بالإمكان أفضل مما كان!. ولأن كل بني آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون, فلا يزال خط الرجعة متاح لمن صادق على ملف الحرم الحدودي (محل الإختلاف والخلاف) وبيده كذلك قرار إعادة فتحه ودراسة إمكانية استثناء القرى الغير متداخلة مع حد الجوار (اليمن الشقيق) من الحرم وليس في ذلك من العيب شيء. وقبل هذا كله كف يد ومحاسبة من يثبت تنفذه وقد تسبب في تشويه خاتمة ملحمة التطهير التي خاضها درع الوطن ضد أذناب الرافضة وجرّ جزء لا يتجزأ من وطننا الكبير بمجده ووحدته إلى هذا المنعطف الخطير الغريب.