بعمق كل أحزاننا الكروية الماضية ، فاضت السعادة على أرضنا العطشى الطيبة بصعود منتخبنا الشبابي الى نهائيات كأس آسيا في الهند .. وإنها لفرحة لا تعدلها فرحة حين تأتي وقد أرخى الحزن بسدوله على المشهد الكروي في العراق بعد جملة من الإنتكاسات المدمية في تصفيات كأس العالم وخليجي سبعة عشر ودوري أبطال آسيا ودوري أبطال العرب !

وإنها لوقفة تأريخية بين يدي ربنا الغفور الكريم حين رفع مصطفى كريم وأخوته الفتية الكبار النشامى أيديهم الى السماء يلهجون بشكر عميق في غمرة أحتفاليتهم الغامرة بهدف من ذهب أحرزه مصطفى .. لقد كانوا ممثلين لكل عراقي رفع رأسه وتوجه الى الباري القدير لتتدفق منه عبارات الإمتنان لهذه الفرحة الكبرى بمقياس الجدب الكروي الذي عشناه خلال سنة كاملة من عمر الزمن !

تأهل منتخبنا الشبابي الى الهند .. ولم تكن هذه الخاتمة السعيدة لإبن العراق قد تمت ، لقلنا إن منتخبنا قدم كل شئ وإن الحظ ترصّده كثيراً وتربّص به في كل منعطف حتى في تلك الثواني التي سبقت هدفنا الخالد حين تدخل القائم الأيمن للمنتخب الكويتي كي يرد كرة عراقية رأسية غاية في البراعة .. كنا حتى لو لم نفز سنقول إننا ربحنا منتخباً كبيراً فيه مشاريع نجوم يصح إستثمارها في هذا المفصل المهم من تأريخ الكرة العراقية .. كنا سنقول : يكفينا مصطفى وعمر وعلاء وخلدون وهلكورد وكلف واسامة وغيرهم ، أما فوزنا بالحارس الصاعد علاء كاطع فهو إستثنائي بكل المقاييس ، إنه بالفعل خامة كروية تستحق الإستثمار والإستمرار لسنوات طويلة بشرط أن نحيطها بالتوجيه والرعاية والتشذيب ..

شبابنا الكروي الجديد هو الربح الحقيقي بغض النظر عن النتيجة ، أما صعودنا الملموس الى ختاميات الهند في العام المقبل ، فله حكاية أخرى مختلفة تماماً .. ففي العام قبل الماضي كنا في عِداد المنتخبات التي إشتركت في نهايات آسيا في ماليزيا وقد لعبنا ضمن المجموعة الرابعة التي ضمته الى جانب كوريا الجنوبية وتايلند واليمن ، وقد تأهل منتخبنا الى دور الثمانية بكل جدارة وإقتدار الى دور الثمانية بعد أن إكتسح الشباك الكورية ثلاث مرات دون رد ثم هزم تايلند و اليمن في المرتين بهدفين نظيفين ، لكن الحظ وأشدد على أن الحظ خذلنا أمام السوريين فخرجنا من هذا الدور إثر الخسارة بهدف دون مقابل !

***

قبل إنطلاقة التصفيات الأخيرة كان المدرب المخضرم عبد الإله عبد الحميد في منتهى القلق على فريقه الشبابي .. كان يقول إن كارثة ستحل بكرة القدم العراقية إذا لم يستمر هذا المنتخب في حضوره الخارجي ، وقد كان هذا الحضور مبنياً في الأساس على نجاحه في تصفيات الكويت !

الرجل الذي أمضى خمساً وثلاثين سنة في مهنة العرق والدموع والمتاعب ، كان محقاً في قلقه الذي كان يستبد به في كل لحظة .. لكننا كنا نقول له ( لا خوف على هذا المنتخب الذي يتوافر على عناصر قادرة على الحسم في أية لحظة من المباراة ) .. وما فعله هذا المنتخب أنه جعل من كل دقائق المباراة وعاءً زمنياً يتحرك فيه برجولة عالية وغيرة إستثنئية ولم يكن وصول المباراة مع الكويت الى دقائقها الأخيرة والنتيجة هي التعادل السلبي ، معوقاً لإبداعات لاعبينا.. فالهدف إذا لم يأتِ في مطلع المباراة فإنه ربما سيأتي في منتصفها أو حتى في الأنفاس الأخيرة للوقت المحتسب بدل الضائع .. وهنا برز العامل المعنوي الرصين الذي أثمر عن هدف ثمين متأخر على ملعب الخصم ، وهنا أيضا تكمن واحدة من أهم مزايا هذا الفريق الجديد الذي يتوجب الحرص عليه وعلى مدربه وعلى لاعبيه وعلى كل المعنيين به ، فعلى كواهل هؤلاء يقع عبء إسترداد كرامة الكرة العراقية .. هكذا أقولها وبلا تردد : لقد خسرت كرتنا من قبل كرامتها ، فلتمد يدها الى هذا الفريق القادم المبدع من قلب اليأس!



*رئيس تحرير صحيفة (القمة سبورت) العراقية
ومراسل قناة (الجزيرة الرياضية)