تعز.. عاصمة التهريب في اليمن (1 من 3)
الساحل الغربي لليمن يتحوَّل إلى بؤرة إدخال بشر وأسلحة إلى المملكة

أريتريون يتجهون صوب منفذ حرض الحدودي مع المملكة (الشرق)
«صالح» أسَّس إمبراطورية في تعز قبل الصعود إلى السلطة.
أهالي المخا يرفضون الاعتراف بالرئيس هادي ويعدون سلفه رئيساً لهم.
شبكات التهريب كانت تضم شيوخ قبائل وعسكريين ومسؤولين حكوميين وتجاراً.
3500 ريال سعودي تكلفة تهريب «الإفريقي» من قارته إلى المملكة مروراً باليمن.
خط سير تهريب البشر للمملكة يبدأ من سواحل تعز إلى الحديدة مروراً بمنفذ حرض.
كانت تعز فيما مضى إحدى أهم مناطق اليمن، وكان ميناء المخا الواقع فيها من أهم موانئ العالم طيلة 13 قرناً، حتى بدأت رحلة التراجع بعد أن ضربها الإنجليز والإيطاليون خلال الحرب العالمية الأولى مستهدفين الأتراك الذين كانوا احتلوها. خبا نجم تعز لعقود بعد الحرب حتى صعد الرئيس اليمني الأسبق، إبراهيم الحمدي، إلى الحكم في صنعاء فأعيد تأسيس ميناء المخا، لكن ترك الرئيس السابق علي عبد الله صالح موقعه كحاكم عسكري لتعز وشريطها الساحلي وانتقاله إلى العاصمة لإدارة الدولة بعد مقتل الحمدي وأحمد حسين الغشمي كان كفيلاً بتحول المحافظة إلى بؤرة تهريب نشطة ومصدر إثراء غير مشروع لرموز حكمٍ وقادة عسكريين ومشائخ ومنتفعين. وبعد سقوط نظام «صالح» دخلت دول وجماعات سياسية سوق التهريب الذي يستهدف المملكة بعد السوق المحلية اليمنية، ويبدأ التهريب من البضائع مروراً بالمخدرات والأسلحة وصولاً إلى البشر.
تحول ميناء المخا، الواقع على الشريط الساحلي الغربي لليمن، إلى أهم مراكز التهريب في المنطقة بعد أن كان من أشهر موانئ التجارة في العالم خصوصاً تجارة البن.
وتتنوع عمليات التهريب في المخا، ويعد تهريب البشر، وتحديداً القادمين من إفريقا، أخطرها، كما تنشط عمليات تهريب السلاح والمخدرات، وتعد المملكة العربية السعودية الهدف الثاني لهذه العمليات بعد اليمن.
مكانة تاريخية
تحتل تعز مكانة مهمة في ماضي وحاضر اليمن، فهي المحافظة التي يقع بها تاريخياً أهم موانئ المنطقة، وهو ميناء المخا الذي كان يصدر البنَّ للعالم وشهد حملات عسكرية للسيطرة عليه من دول وإمبراطوريات عديدة منها الأتراك والبرتغاليون والهولنديون وقبلهم الأحباش والفرس.
وتقع تعز في الجزء الجنوبي الغربي من اليمن، وتبعد عن العاصمة صنعاء حوالي 256 كيلومتراً، وتتصل بمحافظتي إب والحديدة من الشمال، وأجزاء من محافظات لحج والضالع وإب من الشرق، ومحافظة لحج من الجنوب وتطل على البحر الأحمر من الغرب.
وتبلغ مساحة المحافظة حوالي 1000.8 كيلومتر مربع تتوزع على 23 مديرية وذلك بحسب التقسيم الإداري لعام 2004، وتحتل المرتبة الأولى من حيث عدد سكان الجمهورية، إذ يشكل سكانها ما نسبته 12.16% من سكان اليمن.
وكان ميناء المخا الذي يقع في تعز وتحديداً في منتصف شريط ساحلي يمتد من الحديدة غرباً إلى لحج وعدن جنوباً هو أشهر الموانئ وأهمها منذ عصر ما قبل الإسلام وتحديداً أيام الدولة الحميرية.
وكان المخا يصدر البن إلى بلاد أوروبا مثل إيطاليا وفرنسا وهولندا وبريطانيا، وإلى مناطق الشرق الآسيوي كالهند والصين، واشتهرت المخا بأنها مركز تصدير البن اليمني، وكانت اليمن وعبر هذا الميناء على مدى 13 قرناً من السادس الميلادي إلى القرن التاسع عشر المصدِّر الأول للبن إلى العالم، وكان كمنتج يوازي أهمية النفط حالياً من حيث رواجه وقيمته النقدية.
وبلغت مدينة المَخا أوج ازدهارها كمركز تجاري في القرن السابع عشر الميلادي وأطلق الإفرنج على الميناء والمدينة (MOCKA COFFEE) وتعني بن المَخا، لارتباطهما بتصدير أجواد أنواع البن.
وفي الحرب العالمية الأولى عام 1913 ضُرِبَت مدينة المخا بمدافع الإنجليز والطليان ضد تركيا التي كانت تحتلها آنذاك، وكانت تضم قصوراً فخمة ومتاجر كبرى، لتبدأ منذ ذلك التاريخ رحلة التراجع بعد أن ارتبط ازدهارها بالميناء ونشاطه.
وفي عهد الرئيس إبراهيم الحمدي الذي حكم اليمن في السبعينات وشهد عهده عدلاً وصرامة في العمل الإداري واستقراراً أمنياً، أعيد تأسيس ميناء المخا من جديد ليمارس نشاطه الملاحي بعد أن دمره الأتراك والإنجليز في حربهم.
وفي تلك الفترة كان الرئيس السابق علي عبد الله صالح هو الحاكم العسكري لمدينة تعز وميناء المخا والشريط الساحلي لمحافظة تعز والذي يمتد إلى نحو مائة كيلومتر بحكم قيادته لقوات الشريط الساحلي التي توجد في مناطق المخا لحماية السواحل من التهريب كمهمة ثانية بعد حماية المدينة.
وأثناء وجود صالح في المنطقة كانت هناك أعمال تهريب بسيطة تتم من وإلى القرن الإفريقي ودول أريتريا وجيبوتي وإثيوبيا، وكان صالح هو المسؤول الذي يمكنه وقف عمليات التهريب أو السماح بها وقد استطاع بناء علاقات مع مختلف أبناء المنطقة الذين يكنون له حباً جارفاً حتى اليوم ويرفضون الاعتراف بالرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي رئيساً ويقولون إنه رئيسهم.
وتعد مدينة المخا هي المدينة الوحيدة في تعز، عاصمة الثورة ضد صالح، التي لم تخرج فيها تظاهرة مناهضة له بل كان أبناؤها يسافرون إلى صنعاء كل خميس لحضور تظاهرة مؤيدة له تقام كل جمعة في ميدان السبعين قرب دار الرئاسة.
وبعد مقتل الرئيس إبراهيم الحمدي صعد أحمد حسين الغشمي إلى السلطة ليُقتَل بعد عام فقط من توليه الحكم، وحينها ترك علي صالح الشريط الساحلي في تعز ومدينة المخا، التي أسس فيها إمبراطورية خاصة واستطاع إحكام القبضة على كل منافذ التهريب وشبكات المهربين فيها، وصعد إلى صنعاء ليتولى رئاسة اليمن في عملية تم الترتيب لها بطريقة درامية حيث تحول الرئيس السابق من إدارة ومراقبة شبكات التهريب إلى إدارة دولة كان الرجل الأول فيها دوما أمام خيارات مشئومة الموت أو النفي أهمها.
وعيَّن صالح أحد المقربين منه قائداً عسكرياً بديلاً عنه في الشريط الساحلي لتُفتَح أبواب تعز بعدها لأنواع مختلفة من البضائع المهربة ويتحول هذا الشريط إلى مصدر إثراء غير مشروع لرموز الحكم والقادة العسكريين ومشائخ المنطقة وبتسهيلات رسمية لا تزال تتحكم حتى اليوم في عمليات التهريب وتديرها عبر شبكات من المنتفعين يصلون إلى أعلى مراكز السلطة.