بسم الله لرحمن لرحيم
أعزائي
يقال أن هذه القصة قد حصلت بين الخليفة العباسي
أبو جعفر المنصور و الأديب الامع الأصمعي
ويقال أنها لم تحصل وأنها من ترهات التاريخ ..
على العموم ماعلينا ...
كتبتها لكم للفائدة ليس إلا فإن صحت الرواية فهي والله من أروع القصص
التي مرت علىّ فهي تحكي حكاية خليفة ذكي متفتح الذهن لا يريد العبث
بأموال المسلمين التي هي أمانة عندة
كما يحصل من حكامنا الأجلاء..
أترككم مع القصة
ذكاء أبوجعفر المنصور وعبقرية الأصمعي
لكي يتفادى الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور الإنفاق على الشعراء الذين يمثلون بين يديه لإلقاء قصائد المدح أو الإستجداء فقد إشترط عليهم شرطاً ... وهو أنه إذا جاء أحد الشعراء بقصيدةٍ يحفظها الخليفة أو تكون معروفة عنده فإنه لايعطي الشاعر شيئاً مقابلها وأما إذا جاء الشاعر بقصيدة لا يحفظها الخليفة فإنه ياخذ وزن ما كتب عليه القصيدة ذهبا.ولما كان الخليفة المنصور يتمتع بذاكرة قوية فقد كان يحفض أي قصيدة عند سماعها لأول مرة .. وكان عنده غلام يحفظ أي قصيدةٍ إذا سمعها مرتين .. و كان عنده أيضاً جارية تجلس خلف ستار المجلس تحفظ القصيدة إذا سمعتها لثلاث مرات. وقد كان الشعراء يقدمون عليه ويلقون بين يديه قصائدهم فإذا انتهى أحدهم من قصيدته يكون الخليفة قد حفظها فيقول الخليفة للشاعر أنه يعرف هذه القصيدة وأنه يحفظها ثم يقوم بترديد أبيات القصيدة, وبعد أن ينتهي من إلقاء القصيدة ينادي على الغلام الذي كان قد سمع القصيدة مرتين مرة من الشاعر ومرة من الخليفة فحفظها فيقوم الغلام بترديد الأبيات وهنا تكون الجارية الموجودة خلف الستار قد حفظت القصيدة بعد سماعها لثلاث مرات فينادي عليها الخليفة فتأتي الجارية وتردد نفس الأبيات.عندها يخرج الشاعر من مجلس الخليفة وهو يشك في نفسه وأنه ليس صاحب القصيدة. فضاق الشعراء ذرعاً فقد قطع الخليفة بهذه الحيلة أرزاقهم .فاجتمع الشعراء يندبون حظهم ويشكون حالهم إلى الأصمعي فعزم الأصمعي وقرر كشف حيلة الخليفة. وذلك بأن نظم قصيدة ذات طابع مميز ملونة المواضيع. وذهب الى ديوان الخليفة بعد أن تنكر بزي الأعراب كي لا يعرفه الخليفة وعندما مثل بين يدي الخليفة سأله الخليفة هل علمت بالشروط قال نعم ...
ثم قال هذه الأبيات :
[/I]
صــــــوت صـــفـيــرالبـلبـل=هـــيـج قــلبـــي الثـمـــل
المــــــاء والــــزهـر مـعــــاً=مـــع زهــــر لـحـظ المُقل
وأنــــت يــــا ســــيـــدلـي=وسـيــــدي ومــــولـلـــي
فــكـــم فــكـــم تـيـمـلــي=عــــزيل عُــــقـــــيـــقـــل
قـــطــفــتـه مــن وجـــــنةٍ=مـــن وجـــن لثــم الخجل
فـقـــــــــــــال لا لا لــلـــلا=وقـــد غـــدا مـهـــــــــرول
والخــــوذ مــالت طــــربـــاً=مـــن فــعـل هــذا الـرجل
فـــولــــولت و ولــــــــولت=ولــــي ولــــي يا ويــللي
فــقــــلت لاتـــولــــــولــي=و بـيـنـي الـلـــــؤلـــؤلــي
قــــالـت لـه حــين كــــــذا=إنـهـض وجـــد بــالنـقــــل
وفـتـيــةً ســـقـونـنـــــــي=قــهــوة كـالـعسـلـلـــــي
شـــــــمـمـتـها بـــأنـفـــي=أزكـــى مـن الـقـرنـفـــــل
فـي وسـط بسـتان حُــلي=بـالـزهــر و الســـرور لـي
والعـــــود دنـــدنـــدنـــلـي=والـطبـل طـبطـب طـبلـي
طب طبيطب طب طبيـطب=طـب طـبـيـطـب طبطبلي
والسقف سقسق سقلي=والـرقــص قـد طـاب إلـي
شـوى شـوى وشـــاهشٌ=عــلـى ورق ســفــر جــل
وغــرد القِـمـــري يـصــيـح=مــــلــلاً فــي مــلالالـــي
ولــــــو تـــرانــي راكـــــبـاً=عـــلـى حـمـــار أهــــــزل
يـمـشـي عـلـى ثــلاثـــــة=كـمــشــيـة الــعرنــجــــل
والنـــاس تـرجـم جـمــلي=فـي السـوق بـالقـلقللي
والكـــل كــعــكـع كــــعِكع=من خلفي و من حـويللي
لـكـــن مـشـيـت هــــاربــاً=مِـــن خـشيــة الـعَقنقِلي
إلــى لـِـقـــــــــــــــاء ملـكٍ=مُــعــــظـــم مُـــبـَجَـــــــلِ
يـأمـرلـــي بــخـــــــــلـعـةٍ=حـمــــراء كـالــدمـدمـلـي
أجـــــر فـيـهـا مــاشــــــياً=مـُـبــغــــــدداً لـــلـذيـــــل
أنــــا الأديب الألـمـعـــــي=مـن حي أرض الـمـوصـل
نظــمت قـطعــاً زُخـــرفت=يـعـجـــز عـنــهـا الأدبُــــل
أقــــول فــي مـطلعـــــها=صــــوت صــفـيــر البـلبـل
Iوبعد أن فرغ الأصمعي من قصيدته حاول الخليفة أن يستحضر في ذهنه ماسمعه فلم يجد إلا صوت البلبل وولولت وطبطبت وكعكعكللي وسقسقسقللي أي أنه عجز عن حفظ القصيدة فنادى على الغلام فوجده فاغراً فاه لم يحفظ شيئً مما سمعه فنادى الخليفة على الجارية فوجدها أيضا لم تستطع حفظها. عندها اُسقط في يد الخليفة وقال للأصمعي المتنكر :أحظر ماكتبت عليه قصيدتك كي نعطيك وزنه ذهباً .. فقال الأصمعي: كنت قد كتبت القصيدة على عمود رخام ورثته من أبي وهو موجود على ظهر ناقتي لا يستطيع حمله إلا أربعة رجال أشداء. أمر الخليفة بإحضار العمود ولما وزن عادل وزنه كل ما في خزينة الخليفة من ذهب فأخذه الأصمعي ولما هم بالإنصراف صاح الوزير قائلاً : أوقفه يا أمير المؤمنين فوالله ما أضنه إلا الأصمعي فأمر الخليفة بإقافه و إماطة اللثام عن وجهه وإذا به الأصمعي فقال له الخليفة : أتفعل هذا بأمير المؤمنين يا أصمعي أعد الذهب قال لا اُعيده إلا إذا عدلت عن شرطك بأن تعطي الشعراء مالاً على ما ينشدونه عليك من شعر سواءً كان من أقوالهم أو منقولهم فوافق الخليفة فأعاد الأصمعي الذهب الذي أخذه.
أعزائي والله إن حكاية المنصور والأصمعي ماهي إلا واحدة من أجمل القصص التي سطرها لنا التاريخ تحكي عن خليفة قل أن يوجد مثله في ذكائه وفطنته وحرصه على أموال الأمة.ما يجعله جديرٌ بتولي منصب الخلافه
أين أنت يا منصور كي ترى حكامنا وفيهم من لا يستطيع أن يقرأ أو أن يعبر بكلام مفهوم ..
[/I]
تحياتي للجميع
Kifa