نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

......

أمطري , لا ترحمي طيفي في عمق الظلام


أمطري صبّي عليّ السيل , يا روح الغمام

لا تبالي أن تعيديني على الأرض حطام

وأحيليني , إذا شئت , جليداً أو رخام

اتركي ريح المساء الممطر الداجي تجنّ

ودعي الأطيار , تحت المطر القاسي , تئنّ

أغرقي الأشجار بالماء ولا يحزنك غصن

زمجري , دوّي , فلن أشكو , لن يأتيك لحن

أمطري فوقي , كما شئت , على وجهي الحزين

لا تبالي جسدي الراعش , في كفّ الدجون



أمطري , سيلي على وجهي , أو غشّي عيوني

بللي ما شئت كّفيّ وشعري وجبيني

أغرقي , في ظلمة الليل , القبور الباليه

وألطمي , ما شئت أبواب القصر العاليه

أمطري , في الجبل النائي , وفوق الهاويه

أطفئي النيران , لا تبقي لحيّ باقيه

آه ما أرهبك الآن , وقد ساد السكون

غير صوت الرّيح , في الأعماق , تدوي في جنون

لم تزل تهمي , من الأمطار , في الأرض , عيون

لم يزل قلبي حزيناً , تحت أمواج الدجون



أيّها الأمطار , قد ناداك قلبي البشريّ

ذلك المغرق في الأشواق , ذاك الشاعريّ

إغسليه , أم ترى الحزن حماه الأبديّ

إنه , مثلك يا أمطار , دفّاق نقيّ

ابداً يسمع , تحت الليل , وقع القطرات

ساهماً يحلم بالماضي وألغاز الممات

يسأل الأمطار : ما أنت ؟ وما سرّ الحياة ؟

وأنا , فيم وجودي ؟ فيم دمعي وشكاتي ؟

أيها الأمطار ما ماضيك ؟ من أين نبعت ؟

أابنة البحر أم السحب أم الأجواء أنت ؟

أم ترى أدمع الموتى الحزانى قد عصرت ؟

أم دموعي أنت يا أمطار في شدوي وصمتي ؟



ما أنا ؟ ما أنت يا أمطار ؟ ما ذاك الخضمّ ؟

أهو الواقع ما أسمع ؟ أم صوتك حلم ؟

أيّ شيء حولنا ؟ ليل وإعصار وغيم

ورعود وبروق وفضاء مدلهمّ

أسفاً لست سوى حلم على الأرض قصير

تدفن الأحزان أيّامي ويلهو بي شعوري

لست إلا ذرة في لجّة الدهر المغير

وغدا يجرفني التيّار , والصمت مصيري

وغدا تدفعني الأرض سحاباً للفضاء

ويذيب المطر الدفّاق دمعي ودمائي



ما أنا إلا بقايا مطر , ملء السماء

ترجع الريح إلى الأرض به , ذات مساء

أمطري , دوّي , اغلبي ضجّة أحزاني ويأسي

أغرقيني , فلقد أغرقت في الآلام نفسي

إملأي كأسي أمطاراً فقد أفرغت كأسي

واحجبي عني دجى أمسي فقد أبغضت أمسي



* نازك الملائكة