سحر هاشمي .. إسم عربي يحمل في طياته قصة نجاح تستحق التأمل ..
فسحر إمرأة إيرانية الأصل إستطاعت أن تحفر إسمها في سجل
الناجحين ، وتُحطم ما أصطلح الناس على تسميته ( المستحيل ) ، وبرغم ما
واجهها من مشكلات وتحديات إلا أن إصرارها وعزيمتها ، وثقتها بقدراتها على
فعل ما تعتزم كان كبير جداً ..
وتلك القصة :
ولدت سحر عام 1968 ، عاشت في إيران إلى أن صار عمرها 12
عام ثم اندلعت الحرب العراقية الايرانية فقرر والدها أن يصحبها وأسرتها
إلى انجلترا ..
وفي انجلترا عاشت سحر متدرجة في مراحل التعليم المختلفة
إلى أن حصلت على شهادة في الحقوق
وعملت في شركة قانونية لمدة 4 سنوات ..
وذات يوم قالت لأصدقائها في العمل : أنا لا أستمتع بعملي !!
فردوا عليها بسخرية : إن الشركة تدفع لكي كي تعملي لا كي تستمتعي.
فقالت لهم : ولما لا أعمل وأستمتع في نفس الوقت ؟! .
وظلت سحر تمارس المهنة إلى أن توفي والدها عام 1994م
فقررت الاستقالة من عملها وسافرت بعدها للأرجنتين وقضت هناك 5 أشهر
ثم عادت لانجلترا مرة ثانية لكنها لم توفق في العمل رغم بحثها الدؤوب
فقررت أن تسافر لزيارة أخيها الذي يعمل في نيويورك مستشاراً في أحد البنوك
وبالفعل سافرت إلى هناك والتقت بأخيها ..
وذات يوم ، وهي جالسة في أحد مقاهي أميركا تنتظر وصول قهوتها
إذ جال بخاطرها فجأة كم تشتاق وهي في لندن إلى مثل هذه القهوة المنعشة الجميلة
وتسائلت لماذا لا أجد مثل هذه القهوة هناك حيث أعيش وأعمل ؟
إن انجلترا على اتساعها لا يوجد فيها مقهى واحد يقدم القهوة الأمريكية باحترافية !!
ثم تسائلت : ولما لا أقوم أنا بهذا المشروع في انجلترا ؟
نقلت الفكرة إلى أخيها فتحمس هو الآخر لها ، وقرر مشاركتها
هذه الفكرة الجديدة ، وبالفعل عادت سحر إلى انجلترا وبدأت أولا في مذاكرة
( كيف تبدأ مشروعا استثماريا جديدا ) حيث أنها لم يسبق لها من قبل إدارة أو إنشاء مشروع خاص
ثم بدأت في دراسة حال السوق فدارت على مقاهي لندن ..
وأخذت تدرس وتقارن وتسجل كل ما ترى أنه سينفعها أو يفيدها في فكرتها الجديدة
إلى أن توصلت إلى حقيقة هامة إعتبرتها طرف الخيط الذي ستبدأ به مشروعها
وهو أن أهل لندن لا يحصلون على قهوة عالية الجودة ، أضف إلى ذلك مؤشراً هام جداً ..
وهو أن الانجليز وبرغم شهرتهم الطاغية في شرب الشاي والتي
صارت جزءاً مهماً في تراثهم وأدبياتهم باتوا أقل شرباً للشاي ، خاصة مع
انفتاح المجتمعات على بعضها ..
وتعامل الانجليز مع ثقافات أخرى تشرب غير الشاي ، مما دفع
الكثير من الانجليز للبحث عن بدائل لمشروبهم القومي ، مما أعطاها مؤشراً
مبدئياً على تقبل السوق لفكرتها الفريدة .
وحينما رأت سحر أن الوقت صار مناسباً لأخذ خطوات عملية
لإنشاء مقهى يقدم قهوة امريكية مميزة في مكان حيوي
بـ لندن بدأت في التحرك الايجابي ..
وأخذت في البحث عمن يمول لها فكرتها الفريدة .
تقول سحر : “حين بدأنا لم يكن هناك هذا الكم من المعلومات والمساعدات المتوفرة اليوم
لقد بذلنا جهدًا شاقًا كي نقنع أنفسنا وأصدقائنا وممولينا
والموردين والمستهلكين والجميع بجدوى الفكرة، لقد كان الأمر بمثابة تسلق
مرتفع حاد، بل لقد كان تحديًا كبيرًا”.
كانت سحر تحتاج لمبلغ 90 الف جنيه استرليني لتبدأ مشروعها فطافت
على 20 بنكا وجميعهم رفضوا بحجة أن البريطانيين أمَّةٌ تشرب الشاي وليس القهوة !!
وفي المرة العشرين تتمكن من الحصول على التمويل .
وبعد محاولات كبيرة وافقت وزارة التجارة والصناعة
على إقراض المشروع الجديد مبلغ 75 ألف جنيه إسترليني
وفي نوفمبر 1995 (بعد مرور عام على ورود الفكرة لسحر) كان افتتاح أول مقهى
وكان باسم : جمهوريةالقهوة Coffee Republic في شارع ساوث مولتون .
اعتمدت مقاهي جمهورية القهوة على تقديم أكثر من نكهة قهوة
تلائم الرغبات المختلفة للشاربين ، من قهوة ذات زبد كثيف لأخرى بدون
ومن تلك بطعم الموكا لتلك بنكهة العسل والقرفة.
رغم التنوع الكبيرفي المعروض من نكهات القهوة، لكن البداية
كانت صعبة للغاية، فلقد نظر رواد المقاهي بعين الاستغراب لهذا المقهى الجديد
كما أن العثور على العمالة الكفؤة كان صعبًا،وأصعب منه الحفاظ عليها.
لم يكن الانسحاب أو الاستسلام من الأشياء الواردة على ذهن الأخوين،
لذا قررا أن يستعينا بشركة علاقات عامة كي تتولى الدعاية لهما،
وكان من نتيجة ذلك نشر بعض التقارير الصحفية الإيجابية.
المشكلة التي واجهت مشروع سحر بقوة هو التزاماتها المادية تجاه البنك
إذا كان لابد أن تجني أرباحا يومية لاتقل عن 700 جنيه استرليني لتتفادى الخسائر ..
لكن وطوال 6 شهور من افتتاح المقهى كان الدخل اليومي لا
يتجاوز الـ 200 جنيه ومعظمها كانت من أمها وعماتها اللاتي كن يترددن في
اليوم أكثر من مرة على المقهى بغرض رفع مبيعات المقهى وتشجيعها ..
ولكن ..
سحر صمدت واستمرت وثابرت وبعدها ارتفع الدخل
واستطاعت خلال السنة الثانية أي في ديسمبر 1996 من افتتاح المقهى الثاني في وسط لندن،
ما دفعهما في أكتوبر 1997 لتحويل مشروعهما إلى شركة مساهمة وطرحا الأسهم في البورصة،
ما عاد عليهما بمبلغ 8.5 مليون جنيه إسترليني،
تم توجيهها لمزيد من التوسع والانتشار. كانت الأمور تمضي
على ما يرام، وتذكر سحر سعادتها البالغة حين رأت أول عميل يرحل ومعه قدح
قهوة يحمل اسم المقهى في يديه .
و في يوليو 2000 تم طرح المزيد من الأسهم، ليجمعا 20 مليون
جنيه إسترليني، تم توجيهها في افتتاح 40 مقهى جديد في عام واحد، ليصبح
إجمالي عدد المقاهي 82 مقهى خلال خمس سنوات من تاريخ البدء ،
تناثرت في أكبر المدن الإنجليزية، وعمل فيها أكثر من 800 موظف.
ومع التوسع الكبير في عدد الفروع بدأت سحر وأخوها في الاعتماد على المدراء في إدارة الجمهورية ،
وبدأت سحر تركز على زيارة مقهى كل يوم في الصباح، حيث تقضي ساعة كاملة، كمرتاد تقليدي، تراقب فيها الجودة؛
جودة المعاملة وجودة المنتج.
تؤكد سحر أكثر من مرة قائلة: “هدفنا هو التأكد من أننا لم نتحول لشركة عملاقة مترامية الأطراف،
فننسى كيف ولماذا أقمنا هذه الشركة”.
تؤكد سحر أنعملها السابق كمحامية ساعدها كثيرًا، حيث كانت
تسدي النصح لكثير من العملاء، لكنها كانت تطمح لأن ترى ثمرة هذا النصح
والمجهود بنفسها.
العجيب والمدهش ونحن نستعرض قصة سحر الناجحة ان نعرف انها لم يكن لديها اي فكرة عن القهوة قبل بداية مشروعها ،
وتقول في هذا الصدد : لا خطأ في ان تبدأ مشروعك دون أن
تمتلك عنه خبرة ومعرفة عنه .. لأن عدم وجود معرفة سابقة سيفتح لك المجال
بالتفكير بحرية وطلاقة ..
وفي عام 2001 تنحت سحر عن دورها في الجمهورية (التي كانت تدر 30 مليون إسترليني سنوياً)
لتتحول كاتبة، فأخرجت لنا في يناير 2003 كتابًا يحمل اسم :
“الكل يستطيع أن يفعلها، كيف أسسنا جمهورية القهوة من على طاولة المطبخ”
ليحل الأول في قوائم أكثر الكتب مبيعًا في إنجلترا،لعدة أسابيع، ونال الكتاب العديد من الجوائز والترشيحات،
وترجم إلى ست لغات وقررت كلية لندن للاقتصاد الشهيرة تدريسه ضمن مناهجها .
كما تم اختيار سحر ضمن أكثر 100 سيدة ذات تأثير في المجتمع
الإنجليزي، ونالت العديد من الألقاب واحتلت صورها العديد من أغلفة المجلات
العالمية،
ذات الطابع الأعمالي وغيرها، وكانت ضيفة للعديد من البرامج التلفزيونية والإذاعية .
وفي تصريح لها لجريدة البيان الإمارتية أثناء زيارتها لدبي ،
تقول سحر ناصحة كل من يمتلك حلماً :
تتحقق الأحلام عند إطلاق العنان لأفكارنا وإمكانياتنا وقدراتنا الكامنة لأفكارنا.
لذلك، على الجميع أن يؤمنوا بأن أحلامهم قابلة للتحقيق. كل
ما علينا القيام به هو أن نتوقف عند التفكير بمشروع ما ثم نباشر العمل
الفعلي لتحقيقه.
ويجب على المرء أن يتحلى بالشجاعة الكافية للخروج من حالة الحلم والكسل والاسترخاء
وأن ينطلق بكثير من الشغف والمتابعة الحثيثة ليحول أفكاره إلى واقع ملموس .
منقـول