بَهْزَة !!
فَرَشَتْ مِهْجانَها، وقرَّبت مِسَاسَها وكأساً احتوى ثلاثة أقراص من الخمير المفتت والخبز كسحيلٍ لطحينها ولم تنس أن تُحكم تثبيتَ رِفادَةَ المطحنة الخشبية، ثم بدأت أولى جولاتها مقشِّرةً حبَّها الحمري ، وزوجُها مُمددٌ على شُبريٍ بالقربِ منها أجرداً إلا من حوك يسترُ عورته ، يُبادلها الحديث عن رمضان الذي قرع أبواب ديارهم وكيفَ أعد له العُدَّة.
كان يُحدثها عن زحمة السّوق الذي قصده لبيع أحد كباشتهِ وشراء ما طلبته للشهر الفضيل، من تَمرٍ وفَالودَةٍ وحُمَرٍ وحُلبةٍ، ولم ينس الأبْزَارَ وشدَّتين كَبريت أبو طير ، كما لم ينس ذَبايلَ الطَّباخَة وأخرى لفانوسِهم وفانوسِ جارتِهم العجوز "مِهْدِليَّة".
استطردَ في حديثهِ واصفاً كيف أن النَّاسَ تواردتْ من كلِّ صوبٍ حتى من جبال الرِّيث وبِلغازي وفيفاء رجالاً ونساءً.
وهي مُرْهِفةٌ سمْعها له دون أن تُبادله الحديث ، مُنشغلةً بمطحنتها تَهُشُّ الذُّبابَ عن طحينها تارةً وأخْرى تجمعُ ما فاض عن جُنبات الِمطْحنةٍ من الرِّهِي وتضعهُ في حَيْسِيتها المُحاذِية لِوِركِها.
اخذتهُ نشوةُ الحديثِ "مُتفيشراً" ، وبدأ يصفُ المتسوقين فذاك جباليٌ يجرُّ خلفه بقرة منتوج وذاك فرَّ منه كبشه وآخر أضاع ما اشتراه من مقاضي الشهر، حتى وصل إلى بائعات الطيبَ والحُسنِ والحناء القادمات من قرى الريف في أحد المسارحة والملاحيط ، حيث أرخى جسده على قعادته وأخذ نفساً عميقا ثم زفره بهدوء ساهمُ الطرفِ بابتسامة كشفت ستر حنكه الأدلم ، وما أن بدأ في وصف تلك البائعات وكيف أنهن طافحات بالأنوثة بقدودٍ ممشوقةٍ وعيون داعجة وخصور ناحلة وهو في غمرة انتشاءته لم يشعر إلا وقد استقرت الحيسية بمافيها من رِهِي على رأسه وما أن أفاق من صدمته حتى ثنّت بودي المطحنة حيث غرزته في كرشهِ وصبت ماء مِسَاسِها على رأسه واستوت في وقفتها وصاحت في وجهه بغضبٍ لم تظهره من قبل قائلة : وأنت يا قَحْم يا فاجر سوقت تقضِّي وإلا تِتعِيشَق ؟!
ثم انصرَفت وكأنها لم تُهجِّن لمطْحنَةٍ قطْ.
لم تحتملهُ القعادةُ التي غاصَ بين حِبالها وقد مُلئَ فمُهُ الدَّالعَ رِهِياً وابتلَّ حَوكهُ بالمِساسِ، ولا شيئ حولهُ سوى الصَّمت من حوله مُطبقاً.