خاطرة الموت
الموت هو تلك الحكاية العظيمة التي أنصت وسينصت كل مخلوق لها , الموت أبعد شيء نتصوره نتناساه وله عين ترقب , ونتحاشاه فلسنا من اسبابه نقرب , نفر منه ولكن إليه نهرب , عند سماعه تتوقف مواكب الأفراح , وعند بابه تهزم كبرياء الصباح , فما أحقر الدنيا وأقصر عمرها أهكذا ُتختلس الحياة بزخرف عيشها فكأن ما مضى حلم نائم ومسافر هائم , فلم يستيقظ إلا على نداء لا كالنداءات فكم هو مسكين هذا الإنسان , كيف يركن لدنيا ليس لها أمان , قلب يا أخي طرفك في القريب قبل البعيد هل أستأذنهم هاذم اللذات , هيهات هيهات , هذا طفل أختطفه من حضن أمه وشاب لم يحقق الغايات , وكبير قد أقترض الديون ونسى المنون فمضى ولم يكمل البنايات, حضر الموت فألجم كل لسان , حضر الموت فألقى في الناس البيان , فكأنما الدنيا سراب والآخرة لم نحسب لها الحسبان , كأني بلسان حال أهل المقابر ينادي وقد فات الفوت وانقطع الصوت وقد غابت أجسادهم عن الأنظار وتوقفت بعد رحيلهم الأخبار , قائلا طوبى لمن مازال في زمن الإمهال طوبي لمن مازال يسمع النداء في الغدو و الآصال , أين لنا بسجدة نشريها بكل موجود , أين لنا بركعة في الوجود, أين لنا بصدقة في الخفاء , أين لنا بدمعة في صفاء , أين لنا بتهجد بالقرآن , أين لنا بتوبة وندم بعد ردحا من العصيان , لقد حيل بيننا وبين تلك الأماني , في قبورنا ماكثون فلا من مجيب , في قبورنا ماكثون إلي أن ينادي المنادي من مكان قريب , كنا نظن ولقد خابت فينا الظنون كنا نفاخر بالمال والبنون كنا نفر من حر الهجير, فهلا كان فرارنا من نار السعير, كنا نقطع الأوقات , مابين شهوة وغيبة وقنوات , واليوم مضى كل شيء وأبقت لنا حسرات , آه على صيام يوم شديد الحر , آه على خطوات تثاقلت عن صلاة الفجر , آه على عمر في غفلة قد مر, لقد اختارنا الله فليس لنا من خيار, لقد اختارنا وتركنا الأهل والدار, حملتمونا على الأكتاف وأسكنتمونا الأجداث وحثوتم علينا التراب , وجرتمونا من الثياب , فلستم لنا اليوم تطيقون , ولست في جوارنا ترغبون , ما أحقر الدنيا ألا تذكرون ,, ألا تذكرون مجلساً حوانا , ومشرباً روانا, ما أحقر الدنيا ألا تذكرون ألا تذكرون ما كان بيننا من تنافس على دنيا المتاع , تركناها لكم فهل من معتبر قبل يوم الوداع .


خاطرة بقلم / منبر الحقيقة