القرني يعود برسائل "التوحيد والوحدة"*
--------------------------------------------------------------------------------
القرني يعود برسائل "التوحيد والوحدة"*
إعداد/ فتحي مجدي:
استهل فضيلة الداعية، الدكتور عائض القرني، نشاطه الدعوي، بعد تراجعه عن قرار اعتزاله، بمحاضرة ألقاها السبت (21 ذي الحجة 1426هـ)، في جامع الملك خالد بأم الحمام بالرياض، عقب صلاة المغرب، بعنوان: "التوحيد والوحدة"، اشتملت على عشر رسائل مختلفة.
واستهل الشيخ محاضرته، بإلقاء قصيدة "لقاء الجماهير"، على مسامع الحضور الذين اكتظت بهم جنبات المسجد، والتي أعلن من خلالها عودته إلى المجال الدعوي، بعد مبادرة من الأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض، لإثنائه عن قرار الانسحاب من الساحة الإسلامية التي نشط فيها داعية وخطيبًا وكاتبًا.
ولاة الأمر
ووجه القرني رسالته الأولى، إلى القيادة السعودية، "لمن ولاهُ اللهُ أمرنا، فصار أكثرنا حملاً، وأعظمنا أمانةً"، مشددًا على بيعة الملك عبد الله بن عبد العزيز، التي كانت على كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وأقسم يومها، أن يجعل الإسلام منهجه، والقرآن دستوره، بقوله: "نكون بالإسلام أو لا نكون".
وأكد الشيخ القرني على منهجية الملك عبد العزيز، في تأسيس المملكة العربية السعودية، على المعتقد الصحيح، والشريعة الغراء، مشيرًا إلى أنه لم يبن تلك الوحدة على أساس عرقي، أو طائفي أو حزبي، بل رفع راية خضراء ترفرف بلا إله إلا الله محمدٌ رسولُ الله، داعيًا السعوديين إلى أن تكون هذه الحقيقة ماثلة أمام أعينهم.
وأوضح الدكتور القرني في رسالته، أن المملكة تستمد عزها ومجدها من الإسلام، مشيرًا إلى النفط في بلاده قد ينضب، "لكن صحةَ إيمانِنا، واستقامةَ توجُّهِنا، وصدقَ رسالتِنا لا ينضب"، وقد يهتز الاقتصاد، "لكن قناعتَنا بدينِنا لا تهتز"، مشددًا على أنه قد تتبدل الأحوال من عيش في الأكواخ إلى القصور، "لكن رسالتَنا معنا في كلِّ حالٍ تصاحبُنا أبدًا".
وأشار القرني إلى لقاءات الحوار الوطني في المملكة، التي تضم سعوديين من كل إقليم وطائفة وطيف ومذهب ومشرب، أجمعوا على "أن الإسلام هو رسالتنا للعالم"، مؤكدًا على إسلامية الدولة السعودية، "فلا يزايد علينا أحد في نصرة الملة وحمل، ميثاق الرسالة والتمسك بالشريعة".
العلماء والدعاء
وفي رسالته الثانية، التي وجهها للعلماء والدعاء، شدد القرني على أهمية اتصاف العلماء بالربانية، لأنها "تدعونا إلى الإخلاص والصدق مع الله والعمل بالعلم"، وحتى يكونوا رسل محبة وسلام ورفق ورحمة وهداية، مؤكدًا أن "العالمية تقتضي منا فتح أسماعنا وأبصارنا وعقولنا على كل العالم أجمع، وتوسيع آفاقنا لنسمع غيرنا ونسمع منه، ونعلم أننا لسنا وحدَنا في هذا الكون بل معنا أمم وحضارات ومشارب ومذاهب".
وشدد القرني على ضرورة الانفتاح على الآخر، مصداقًا لقوله تعالى: "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ" [آل عمران:64]. "وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُون"َ[التوبة:6]. إذ "لابد أن نسمع العالم حجتنا بلطف، ونعرض عليهم البرهان والإقناع، ولابد أن نعطي العالم فرصة ليسمعونا ما عندهم، وماذا يريدون منا"؟.
كما دعا القرني العلماء والدعاة، إلى فتح باب الاجتهاد في مسائل الخلاف في الفروع، مع المحافظة على الثوابت، وإلى مواكبة المتغيرات، مشيرًا بذلك إلى عدم صدور فتوى تجيز للحجاج رمي الجمرات في أيام التشريق قبل الزوال، رغم الحوادث المتكررة كل عام نتيجة التزاحم بين الحجاج خلال رمي الجمرات، مع العلم أن كثيرًا من الأئمة والعلماء السابقين والمعاصرين أفتوا بالجواز، ولهم حجج وأدلة صحيحة صريحة.
رجال الإعلام
أما رسالته الثالثة، فقد وجهها القرني لرجال الإعلام وحملة الأقلام من الصحفيين، وشدد خلالها على دور وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والصحافة في هذا الزمن المعاصر، مؤكدًا على عظم الكلمة وخطورتها، إذ أنها قد تسهم في عملية الإصلاح، أو تشارك في الإفساد.
لذا فقد أكد القرني على "إننا بحاجة إلى صحوة ضمير أمام رسالة الإعلام"، وذلك لأن التحلل من الدين، والتنصل من القيم، والكفر بالله، ومحاربة شرعه، إنما هو "نتاج أولي لإقناع ذهني وغسل للمخ عن طريق مؤثرات دعائية ومنابر إعلامية"، كما أن "التطرف والإرهاب وتهديد الأمنِ وسفك الدمِ المحرم وقتل النفس المعصومة أصله ثقافة عوجاء مريضة مشوهة خارجة عن الدينِ الصحيح". من هنا، أكد الشيخ القرني على مسئولية الإعلام في البناء والترشيد والتربية، وانتقد بشدة الخطاب المتطرف ودعا إلى الوسيطة والاعتدال.
أهل الغلو
ووجه القرني رسالته الرابعة، لمن غلا في الدين، وتطرَّف في فكره وخرج على إجماع الأمة وروحِ الشريعة، مطالبًا إياهم بالتوبة إلى الله والعودة إلى جماعة المسلمين، وإلى صحوة الضمير، داعًيا من ركب موجة التكفير والتفجير أن يتقي ربَّه في دماء الأمة وأموالها وأعراضها وأمنها واستقرارها.
وقال الشيخ القرني: "إن التكفير مشروع فاشل، وطريقة عابثة، لا تبني حضارة، ولا تقدم رسالة إلا رسالة الخوف والدمار"، مشيرًا إلى أن محاورة علماء الأمة للتكفيريين، كشفت عن حججهم الواهية، التي سقطت أمام الحقائق والأدلة الشرعية، ودفعت الكثير منهم إلى العودة عن طريقهم".
ورأى الشيخ القرني "أن طريق التكفير والغلو والإفساد في الأرض مشروع فاشل، وخطة مشئومة، وطريقة عابثة لا تبني حضارة، ولا تخدم رسالة، ولا تسعد أمة، ولا تحقق هدفًا إلا الدمار والخوف والشقاء والهدم، "وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد"، داعيًا من حمل هذا الفكر أن يتوب ويؤوب ويعود إلى مجتمع السلم والإسلام ليشارك في النفع؛ ويسهم في الخير، ويكون لبنةً صالحةً في بناء الإسلام العظيم.
لمن يقدح في الثوابت
أما الرسالة الخامسة، فقد وجهها الشيخ عائض القرني لمن يقدح في ثوابت الأمة، ويحمل روح الانهزام، ممن أمعن في جلد الذات متنكرًا لما لهذه الأمة وما كان لها من مجدٍ عظيمٍ وحضارةٍ إنسانيةٍ، وأصحاب النفوس الضعيفة والضمائر الخاوية، ممن تجنوا على الإسلام وألصقوا به القتل والإرهاب، على غير ما يؤكد حتى الكثير من غير المسلمين في شهاداتهم، التي أدلوا بها في حق الإسلام، وحضارة المسلمين وماضيهم المشرق.
وختم القرني رسالته لدعاة الانهزامية، بسؤالهم: أين العزة والفخر بالملة والتراث والتاريخِ المشرق والمسيرة الخالدة؟ والله يقول: "وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" [آل عمران:139].
للمرأة
وقد خصص القرني، رسالته السادسة إلى المرأة، حيث دعا المجتمع إلى الاعتراف بحقوقها الشرعية، المنصوص عليها في الكتاب والسنة، مستنكرًا إغفال البعض حقَّ المرأة في الميراث، ومنعها من التعليم والمعرفة، واستهجن قيام البعض بحرمان المرأة من الزواج مقابل ثمنٍ بخسٍ من مالها وراتبها، والتعامل معها بعنفٍ ضربًا وهجرًا وتهديدًا ووعيدًا، مع العلم أن الواحدة منهنَّ قد تفوق عشرات الرجال علمًا وفهمًا وصلاحًا ونفعًا.
وتحدث القرني عن المرأة باعتبارها "هدية ربانية وكرامة إلهية، فهي أمُّ الأبطال ومصنع الرجال ومدرسة الأجيال"، معتبرًا أن "المرأة ليست من سِقط المتاع، وليست ميراثًا يُورثه الآباء للأبناء"، وإنما هي "نصف الرجل والمجتمع والأمة، لها رأيها ومكانتها، ولها حقوق وعليها واجبات، وهي تشارك في العلم والبناء في ظل شرع الله المطهر"، داعًيا المجتمع إلى تصحيح أخطاءه تجاه المرأة، ومعاملتها بحسن ورفق.
الحوار
وفي رسالته السابعة، شدد الشيخ القرني على ضرورة أن ينشأ حوار داخلي بين أفراد المجتمع، قبل أن ينتقل الحوار للخارج، مشيرًا إلى منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في الحوار، حتى مع أعدائه، مشددًا على ضرورة والحوار داخل البيوت، وفي المدارس والجامعات والمنتديات، "بغير تشنج ولا إرهاب فكري".
ودعا إلى الامتثال بالقاعدة القرآنية في الحوار، إذ يقول سبحانه: "قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ"[النمل:64]، ويقول أيضًا: "قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا"[الأنعام:148]. " وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"[العنكبوت:46]، مؤكدًا على ضرورة احترام الآراء والاجتهادات في الفروع والجزئيات، سواء احتملت الصواب والخطأ، ما دامت ليست من الثوابت في الدين.
وأوضح الشيخ القرني أن القرآن أمر المسلمين بمحاورة أهل الكتاب بالحسنى، والتواصل معهم، مؤكدًا أن هذا لن يتم إلا إذا فهم المسلمون الدين حقًّا، وكان لديهم أفقٌ رحبٌ واسعٌ وعقولٌ كبيرةٌ واعيةٌ تستحق حملَ هذه الرسالة العظيمة.
وحذر من إنه "إذا شاهدنا العالم ونحن نتنابز بالألقاب، ويجرح بعضنا بعضًا، ويَدَّعي أحدنا صوابه وخطأَ من خالفه في أمر اجتهادي، حينها لن ينصت لنا، وليس عنده وقت في السماع منا". لذا فهو يدعو إلى الترفع عن الحروب الوهمية، ومصارعة الظل والتطاحن الكلامي في المجتمع المسلم.
للشباب
واستنهض القرني في رسالته الثامنة، شباب الأمة، الذين هم عدتها وعمادها بعد الله ومستقبلها، داعيًا إياهم إلى التمسك بدينهم، لأن "الإيمان هو سر عظمتكم وخلود ذكركم ونجاحكم وعلو شأنكم"، وحذرهم في ذات الوقت من مسلكين خطرين، وهما: الإفراط الذي يعني الغلو في الدين والخروج عن جماعة المسلمين، والتفريط، الذي يعني التحلل من الدين ورفض التدين والوقوع في الشهواتِ المزرية والشبهاتِ المضلة.
وحتى يتجنبوا هذين الطريقين، يوجه الشيخ القرني، مجموعة من النصائح إلى الشباب، داعيًا إياهم إلى منهج الوسطية ولزوم جماعة المسلمين، وأخذ العلم من علماء الأمةِ، والابتعاد عن الأفكار الغريبة على الدين المخالفةَ لإجماعِ المؤمنين، وحفظ المعتقدات من الأهواء والبدع، والعقول من الانحراف، والأوقات من الضياع، والإقبال على العلم والمعرفة وتزكية النفوس بالفضائل وتطهيرها من الرذائل مع التحلي بالخلق الحسن من التواضع ولين الجانب والرحمة بالناس والرفق بهم وتحبيبهم في الدين وتجميل صورة الإسلام.
للآباء
وطالب القرني في ....
* ملحوظة: لمن أراد الإطلاع على نص المحاضرة، الرجوع إلى صفحة كتابات الشيخ.
موقع تبيان أون لاين
ا