الليلة سأرحل بكم إلى دار التقى لتحفيظ القرآن الكريم والذي يبعد حوالي عشر دقائق عن منزلنا الجديد...الآن بدأت الساعة تشير إلى الرابعة عصرا.إنه موعدي مع الأمهات ..حملت معي بعض الدفاتر والأقلام ..وبالطبع سأقطع المسافة سيرا على الأقدام فأنا اعتبر المشي رياضة وسياحة في حارتنا الفتية...فالأطفال حفاة الأقدام وبملابس رياضية غير موحده بدئوا
يتنافسون في رمي معشوقتهم يمنة ويسرة بصراخ وهتاف جميل يشبه سيمفونية رائعة وقطيع الغنم الذي يقودها شاب اسمر اللون قد بدأت أيضا مسيرتها ...حارتنا صاخبة كضحكات الأطفال ..عبقه كبستان فُل... ولايعكر صفو المكان غير نباح الخالة غزالة ولذي يدفعني أحيانا للجري بكل قوتي وكأنه الآن ينبهني لموعدي مع الأمهات, وصلت أخيرا إلى غرفة الدرس كانت جميلة بوجود الأمهات فيها ..بدأ عددهن يتكامل ماعدا الخالة ليلى ..وكمشوار أسبوعي يبدأ بحمل السبورة من الفصل المجاور ووضعها على منضدة مناسبة..كنت ألمح سعادة الأمهات بالدفاتر والأقلام التي وزعتها بدأنا ننشد أروع نغم أَ إِ أُ ... أَ إِ أُ..... أَ إِ أُ وفي قمة اندماجنا مع الحرف الأول دخلت الخالة ليلى بصوتها الجهوري (( بعدما شاب ودوه الكتاب! ياسيدي لاتمزقين بطنك باطل ماحنا عارفين ولاشي قدينا عجائز على الحروف))وجلجلت بضحكتها المترفة أرجاء المكان وآزرتها الخالة مريم والخالة فاطمة في الضحك ...كأنها أحدثت زلزالا..بدأ الصف يهدأ عندما نقرت بالقلم على الطاولة هدووووووووء هدووووووووووء لم يبق على أذان المغرب سوى عشر دقائق ولم يفلح صوتي المبحوح من إرجاعهن فقد بدأن بالانصراف فصلاة المغرب أهم, اقتربت الخالة ليلى تريد كتابة حرف الألف مسكت بيدها وأخذنا نخط خط طويلا ووضعنا الهمزة فوق العصا الطويلة ..وكأن خالتي أول مرة ترى فيها هذا الحرف الشامخ وبعد تأمل نطقت بابنتي هذا الحرف يشبه العصا التي يضربني بها أحمد وضحكتْ وانحبست ألف دمعه وطفرت إحداهن على خدي .. كانت تعتقد أن تلك الدمعة التي تهادت على خدي من شدة الضحك... ولا ادري لماذا صممت أن تخرج معي.. وفي الطريق الرملي بدأت تخط حرف الألف التفتت إلي وقالت سأذهب بك إلى منزلي وهناك سأخبرك بسر..وافقتها فقد كان طريقها طريقي .. وصلنا إلى منزلها الحزين حد البكاء.. بابها الخشبي المتكأ على جدار متهالك وغرفتها التي بدون سقف حقيقي ..أشياء تدعوك لاستحضار كل ألوان الحزن, قاطعت صمتي بضحكتها الصاخبة(0 والله ماشي كرهب) تلقيت كلاماتها كصفعات ..فالحمام قد انتهك ستره, فلا أبواب ولا أسقف ولا كهرباء!!!
لايوجد سوى والدها الأعمى وأحمد ابنها الذي يضربها من اجل جلب المال.. وموقدها الجائع والقابع في ركن مقبرتها .. كنت احسبها لاتتقن سوى الضحك فهي فعلا تجيد حياكة الضحك من خيوط الألم خرجت من بيتها الذي يعتبر اوهن من بيت العنكبوت وبالطبع لم تنس أن تخبرني بسرها وكيف ان فاعل خير صورها أمام خزان الماء والتقط لها صورة أخرى مع بابها المخلوع .. كانت تضحك وتقول سمعنا إن الحكومة ستبني لنا منزلا وسننعم فيه ((بالكرهب ))أستئذنتها فشمس المغيب بدأت بالرحيل والأذان بدأ يعلو ووقفت معي تردد الأذان لكنها كانت شاردة ترقب مصابيح منزلنا الخارجية فقد قام أخي بإشعالها كلللللللللللللللللها....استدارت وفي عينيها ألف دمعه.