أسمها هيام ..

[جمال شمس الدين]

في ذات يوم كنت أجلس وحدي في منزلي الصغير . ووقفت أما المرآة فإذا شاهدت نفسي في تلك المرآة اللامعة .
فسرحت أمامها طويلا . وإذا بالشعر الأسود وقد بدأت حبيبات فضية لامعة كبزوغ الفجر . تطل منه وتؤذن بمرحلة جديدة .
وأخذتني الذكريات منها السعيدة التي مرت في صباي . ومنها الأليمة في صباي
وأكثرها ذكريات تلك التي جرت في شبابي .
فتذكرت طويلا جدا جدا تلك الحبيبة الرائعة وتذكرت أيامنا . وما أجملها من ذكريات
تلك اللحظة وفجأة طرق اسمها في بالي هـيـام ..
وما أروعه من اسم ذلك الاسم الذي عاش معي طويلا في أسوأ المراحل من عمري
الاسم الذي جعلني أحب الحياة كثيرا لوجودها معي وذلك الاسم الذي كرهت الحياة بدونها معي . وي كأن الحياة لا تكون إلا لها وكأني لغيرها أموت .
تذكرت حبها الذي جعلنا نمشي كالملكين شامخين مرفوعي الرأس . تلك الفتاة التي أحبها قلبي بكل جنون الشباب عشقها قلبي أحببتها عشقتها فقتلتني .
تلك الفتاة التي حلمت ذات يوم بأن نعيش معا تحت سقف واحد في عش الزوجية .
لكن إرادة الله لم تكتمل . فما أقبح ذلك الحب الذي لا يكون إلا بالفراق .
فنحن معشر الرجال إذا دق قلوبنا الحب فنعشق بالقلوب وبالجيوب .
أحببتها فعشقتها فقتلتني بيدها . وما أقبحها من جريمة . أتذكر تلك الرسائل التي كانت بيننا . فما كان قولها إلا
(( أحبك بعدد أوراق الشجر وبعدد أصداف البحر وأحبك بعدد نجوم السماء . أحبك بعدد ما في الكون ...))
فما كان حبها إلا تمثيل وزيف وخداع فتقول كلاما ووهما أشبه بالدخان في ليلة شتاء كلاما بدون حرارة ولا تصديق ..
فما كانت إلا لرجل لا يملك إلا الطين والعقار .
ما أتعسنا نحن الرجال حين نحب ونعشق فنموت قهرا ما أشقى ذلك الرجل الذي مات حبا
تذكرت تلك الأيام التي كانت سببا بأن كرهت جميع أصناف حواء حتى الأغاني والجمل أصبحت كلام لا معاني فيها ولا مشاعر . حتى الأحاسيس أمست مجرد كلام ..
وتنهدت طويلا جدا وحمدت الله كثيرا بأن نجاني من شيطان رجيم اسمها هـيـام
فما أن قررت في تلك الليلة الكئيبة المليئة بالأوجاع والجراح التي كانت بعد مقتلي بساعات بأن أركز جل اهتمامي وفكري وعقلي في أعمالي ومشاريعي التجارية .
وألغيت تلك اللغة التي لا فائدة منها لغة القلب والمشاعر والأحاسيس التي لا تجلب سوى الأنكاد والأمراض .
فأبقيت لغة الأرقام والعقل . وما أجملها من لغة الكل ينحني أمامها الصغير والكبير الغني والفقير . فأصبت الآن الاختيار . (( لا بارك الله في جسد يحركه قلب غذي شرايينه بالعواطف والمشاعر والأحاسيس )) .