جزاك الله خير
وبارك الله فيك
اختصرت بشكل مفهوم ماشاء الله
هنا للطبري : -
وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102)
واتبعوا ما تتلو الشياطين
القول في تأويل قوله تعالى : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين } يعني بقوله : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين } الفريق من أحبار اليهود وعلمائها الذين وصفهم الله جل ثناؤه بأنهم نبذوا كتابه الذي أنزله على موسى وراء ظهورهم , تجاهلا منهم وكفرا بما هم به عالمون , كأنهم لا يعلمون . فأخبر عنهم أنهم رفضوا كتابه الذي يعلمون أنه منزل من عنده على نبيه صلى الله عليه وسلم , ونقضوا عهده الذي أخذه عليهم في العمل بما فيه , وآثروا السحر الذي تلته الشياطين في ملك سليمان بن داود فاتبعوه ; وذلك هو الخسار والضلال المبين . واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان } . فقال بعضهم : عنى الله بذلك اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ; لأنهم خاصموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوراة , فوجدوا التوراة للقرآن موافقة , تأمره من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه بمثل الذي يأمر به القرآن , فخاصموا بالكتب التي كان الناس اكتتبوها من الكهنة على عهد سليمان . ذكر من قال ذلك : 1366 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان } على عهد سليمان . قال : كانت الشياطين تصعد إلى السماء , فتقعد منها مقاعد للسمع , فيستمعون من كلام الملائكة فيما يكون في الأرض من موت أو غيث أو أمر , فيأتون الكهنة فيخبرونهم , فتحدث الكهنة الناس فيجدونه كما قالوا . حتى إذا أمنتهم الكهنة كذبوا لهم , فأدخلوا فيه غيره فزادوا مع كل كلمة سبعين كلمة . فاكتتب الناس ذلك الحديث في الكتب وفشا في بني إسرائيل أن الجن تعلم الغيب . فبعث سليمان في الناس , فجمع تلك الكتب فجعلها في صندوق , ثم دفنها تحت كرسيه , ولم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنو من الكرسي إلا احترق , وقال : " لا أسمع أحدا يذكر أن الشياطين تعلم الغيب إلا ضربت عنقه " . فلما مات سليمان , وذهبت العلماء الذين كانوا يعرفون أمر سليمان , وخلف بعد ذلك خلف , تمثل الشيطان في صورة إنسان , ثم أتى نفرا من بني إسرائيل , فقال : هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبدا ؟ قالوا : نعم . قال : فاحفروا تحت الكرسي وذهب معهم فأراهم المكان . فقام ناحية , فقالوا له : فادن ! قال : لا ولكني هاهنا في أيديكم , فإن لم تجدوه فاقتلوني . فحفروا فوجدوا تلك الكتب , فلما أخرجوها قال الشيطان : إن سليمان إنما كان يضبط الإنس والشياطين والطير بهذا السحر . ثم طار فذهب . وفشا في الناس أن سليمان كان ساحرا واتخذت بنو إسرائيل تلك الكتب . فلما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم خاصموه بها , فذلك حين يقول : { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } . 1367 - حدثت عن عمار بن الحسن , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان } قالوا : إن اليهود سألوا محمدا صلى الله عليه وسلم زمانا عن أمور من التوراة , لا يسألونه عن شيء من ذلك إلا أنزل الله عليه ما سألوه عنه فيخصهم . فلما رأوا ذلك قالوا : هذا أعلم بما أنزل إلينا منا . وإنهم سألوه عن السحر وخاصموه به , فأنزل الله جل وعز : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } . وإن الشياطين عمدوا إلى كتاب فكتبوا فيه السحر والكهانة وما شاء الله من ذلك , فدفنوه تحت مجلس سليمان , وكان سليمان لا يعلم الغيب , فلما فارق سليمان الدنيا استخرجوا ذلك السحر , وخدعوا به الناس وقالوا : هذا علم كان سليمان يكتمه ويحسد الناس عليه . فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث . فرجعوا من عنده , وقد حزنوا وأدحض الله حجتهم . 1368 - وحدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان } قال : لما جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا لما معهم { نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب } الآية . قال : اتبعوا السحر , وهم أهل الكتاب . فقرأ حتى بلغ : { ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } . وقال آخرون : بل عنى الله بذلك اليهود الذين كانوا على عهد سليمان . ذكر من قال ذلك . 1369 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , قال : قال ابن جريج : تلت الشياطين السحر على اليهود على ملك سليمان فاتبعته اليهود على ملكه ; يعني اتبعوا السحر على ملك سليمان . 1370 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : حدثني ابن إسحاق , قال : عمدت الشياطين حين عرفت موت سليمان بن داود عليه السلام , فكتبوا أصناف السحر : من كان يحب أن يبلغ كذا وكذا , فليفعل كذا وكذا . حتى إذا صنعوا أصناف السحر , جعلوه في كتاب . ثم ختموا عليه بخاتم على نقش خاتم سليمان , وكتبوا في عنوانه : " هذا ما كتب آصف بن برخيا الصديق للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم " . ثم دفنوه تحت كرسيه , فاستخرجته بعد ذلك بقايا بني إسرائيل حين أحدثوا ما أحدثوا , فلما عثروا عليه قالوا : ما كان سليمان بن داود إلا بهذا . فأفشوا السحر في الناس وتعلموه وعلموه , فليس في أحد أكثر منه في يهود . فلما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما نزل عليه من الله سليمان بن داود وعده فيمن عده من المرسلين , قال من كان بالمدينة من يهود : ألا تعجبون لمحمد صلى الله عليه وسلم يزعم أن سليمان بن داود كان نبيا ! والله ما كان إلا ساحرا ! فأنزل الله في ذلك من قولهم على محمد صلى الله عليه وسلم : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا } قال : كان حين ذهب ملك سليمان ارتد فئام من الجن والإنس واتبعوا الشهوات . فلما رجع الله إلى سليمان ملكه , قام الناس على الدين كما كانوا . وإن سليمان ظهر على كتبهم فدفنها تحت كرسيه . وتوفي سليمان حدثان ذلك , فظهرت الجن والإنس على الكتب بعد وفاة سليمان , وقالوا : هذا كتاب من الله نزل على سليمان أخفاه منا . فأخذوا به فجعلوه دينا , فأنزل الله : { ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون واتبعوا ما تتلوا الشياطين } وهي المعازف واللعب وكل شيء يصد عن ذكر الله . والصواب من القول في تأويل قوله : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان } أن ذلك توبيخ من الله لأحبار اليهود الذين أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم , فجحدوا نبوته وهم يعلمون أنه لله رسول مرسل , وتأنيب منه لهم في رفضهم تنزيله , وهجرهم العمل به وهو في أيديهم يعلمونه ويعرفون أنه كتاب الله , واتباعهم واتباع أوائلهم وأسلافهم ما تلته الشياطين في عهد سليمان . وقد بينا وجه جواز إضافة أفعال أسلافهم إليهم فيما مضى , فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع . وإنما اخترنا هذا التأويل لأن المتبعة ما تلته الشياطين في عهد سليمان وبعده إلى أن بعث الله نبيه بالحق وأمر السحر لم يزل في اليهود , ولا دلالة في الآية أن الله تعالى أراد بقوله : { واتبعوا } بعضا منهم دون بعض , إذ كان جائزا فصيحا في كلام العرب إضافة ما وصفنا من اتباع أسلاف المخبر عنهم بقوله : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين } إلى أخلافهم بعدهم . ولم يكن بخصوص ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أثر منقول , ولا حجة تدل عليه , فكان الواجب من القول في ذلك أن يقال : كل متبع ما تلته الشياطين على عهد سليمان من اليهود داخل في معنى الآية , على النحو الذي قلنا . القول في تأويل قوله تعالى : { ما تتلوا الشياطين } يعني جل ثناؤه بقوله : { ما تتلوا الشياطين } الذي تتلو . فتأويل الكلام إذا : واتبعوا الذي تتلو الشياطين . واختلف في تأويل قوله : { تتلوا } فقال بعضهم : يعني بقوله : { تتلوا } تحدث وتروي وتتكلم به وتخبر , نحو تلاوة الرجل للقرآن وهي قراءته . ووجه قائلو هذا القول تأويلهم ذلك إلى أن الشياطين هي التي علمت الناس السحر وروته لهم . ذكر من قال ذلك : 1371 - حدثني المثنى بن إبراهيم , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن عمرو , عن مجاهد في قول الله : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان } قال : كانت الشياطين تسمع الوحي , فما سمعوا من كلمة زادوا فيها مائتين مثلها , فأرسل سليمان إلى ما كتبوا من ذلك فجمعه . فلما توفي سليمان وجدته الشياطين فعلمته الناس ; وهو السحر . 1372 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان } من الكهانة والسحر ; وذكر لنا والله أعلم أن الشياطين ابتدعت كتابا فيه سحر وأمر عظيم , ثم أفشوه في الناس وعلموهم إياه . 1373 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , قال : قال عطاء : قوله : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين } قال : نراه ما تحدث . 1374 - حدثني سلم بن جنادة السوائي , قال : ثنا أبو معاوية , عن الأعمش , عن المنهال , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , قال : انطلقت الشياطين في الأيام التي ابتلي فيها سليمان , فكتبت فيها كتبا فيها سحر وكفر , ثم دفنوها تحت كرسي سليمان , ثم أخرجوها فقرءوها على الناس . وقال آخرون : معنى قوله : { ما تتلوا } ما تتبعه وترويه وتعمل به . ذكر من قال ذلك : 1375 - حدثنا الحسن بن عمرو العنقزي , قال : حدثني أبي , عن أسباط , عن السدي , عن أبي مالك , عن ابن عباس : { تتلوا } قال : تتبع . 1376 - حدثني نصر بن عبد الرحمن الأزدي , قال : ثنا يحيى بن إبراهيم , عن سفيان الثوري , عن منصور , عن أبي رزين مثله . قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله عز وجل أخبر عن الذين أخبر عنهم أنهم اتبعوا ما تتلو الشياطين على عهد سليمان باتباعهم ما تلته الشياطين . ولقول القائل : " هو يتلو كذا " في كلام العرب معنيان : أحدهما الاتباع , كما يقال : تلوت فلانا إذا مشيت خلفه وتبعت أثره , كما قال جل ثناؤه : { هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت } 10 30 يعني بذلك تتبع . والآخر : القراءة والدراسة , كما تقول : فلان يتلو القرآن , . بمعنى أنه يقرؤه ويدرسه , كما قال حسان بن ثابت : نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ويتلو كتاب الله في كل مشهد ولم يخبرنا الله جل ثناؤه بأي معنى التلاوة كانت تلاوة الشياطين الذين تلوا ما تلوه من السحر على عهد سليمان بخبر يقطع العذر . وقد يجوز أن تكون الشياطين تلت ذلك دراسة ورواية وعملا , فتكون كانت متبعته بالعمل , ودراسته بالرواية , فاتبعت اليهود منهاجها في ذلك وعملت به وروته .على ملك سليمان
القول في تأويل قوله تعالى : { على ملك سليمان } . يعني بقوله جل ثناؤه : { على ملك سليمان } في ملك سليمان ; وذلك أن العرب تضع " في " موضع " على " و " على " في موضع " في " , من ذلك قول الله جل ثناؤه : { ولأصلبنكم في جذوع النخل } 20 71 يعني به : على جذوع النخل , وكما قال : " فعلت كذا في عهد كذا وعلى عهد كذا " بمعنى واحد . وبما قلنا من ذلك كان ابن جريج وابن إسحاق يقولان في تأويله . 1377 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال , حدثني حجاج , قال : ابن جريج : { على ملك سليمان } يقول : في ملك سليمان . 1378 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : قال ابن أبي إسحاق في قوله : { على ملك سليمان } أي في ملك سليمان .وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر
القول في تأويل قوله تعالى : { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } . إن قال لنا قائل : وما هذا الكلام من قوله : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان } ولا خبر معنا قبل عن أحد أنه أضاف الكفر إلى سليمان , بل إنما ذكر اتباع من اتبع من اليهود ما تلته الشياطين ؟ فما وجه نفي الكفر عن سليمان بعقب الخبر عن اتباع من اتبعت الشياطين في العمل بالسحر وروايته من اليهود ؟ قيل : وجه ذلك أن الذين أضاف الله جل ثناؤه إليهم اتباع ما تلته الشياطين على عهد سليمان من السحر والكفر من اليهود , نسبوا ما أضافه الله تعالى ذكره إلى الشياطين من ذلك إلى سليمان بن داود , وزعموا أن ذلك كان من علمه وروايته , وأنه إنما كان يستعبد من يستعبد من الإنس والجن والشياطين وسائر خلق الله بالسحر . فحسنوا بذلك - من ركوبهم ما حرم الله عليهم من السحر - أنفسهم عند من كان جاهلا بأمر الله ونهيه , وعند من كان لا علم له بما أنزل الله في ذلك من التوراة , وتبرأ بإضافة ذلك إلى سليمان - من سليمان , وهو نبي الله صلى الله عليه وسلم منهم - بشر , وأنكروا أن يكون كان لله رسولا , وقالوا : بل كان ساحرا . فبرأ الله سليمان بن داود من السحر والكفر عند من كان منهم ينسبه إلى السحر والكفر لأسباب ادعوها عليه قد ذكرنا بعضها , وسنذكر باقي ما حضرنا ذكره منها . وأكذب الآخرين الذين كانوا يعملون بالسحر , متزينين عند أهل الجهل في عملهم ذلك بأن سليمان كان يعمله . فنفى الله عن سليمان عليه السلام أن يكون كان ساحرا أو كافرا , وأعلمهم أنهم إنما اتبعوا في عملهم السحر ما تلته الشياطين في عهد سليمان , دون ما كان سليمان يأمرهم من طاعة الله واتباع ما أمرهم به في كتابه الذي أنزله على موسى صلوات الله عليه . ذكر الدلائل على صحة ما قلنا من الأخبار والآثار : 1379 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يعقوب القمي , عن جعفر بن أبي المغيرة , عن سعيد بن جبير , قال : كان سليمان يتتبع ما في أيدي الشياطين من السحر , فيأخذه فيدفنه تحت كرسيه في بيت خزانته . فلم تقدر الشياطين أن يصلوا إليه , فدنت إلى الإنس , فقالوا لهم : أتريدون العلم الذي كان سليمان يسخر به الشياطين والرياح وغير ذلك ؟ قالوا : نعم . قالوا : فإنه في بيت خزانته وتحت كرسيه . فاستثارته الإنس فاستخرجوه فعملوا به . فقال أهل الحجاز : كان سليمان يعمل بهذا وهذا سحر . فأنزل الله جل ثناؤه على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم براءة سليمان , فقال : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان } الآية , فأنزل الله براءة سليمان على لسان نبيه عليهما السلام . 1380 - حدثني أبو السائب السوائي , قال : ثنا أبو معاوية , عن الأعمش , عن المنهال , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , قال : كان الذي أصاب سليمان بن داود في سبب أناس من أهل امرأة يقال لها جرادة , وكانت من أكرم نسائه عليه , قال : فكان هوى سليمان أن يكون الحق لأهل الجرادة فيقضي لهم , فعوقب حين لم يكن هواه فيهم واحد . قال : وكان سليمان بن داود إذا أراد أن يدخل الخلاء أو يأتي شيئا من نسائه أعطى الجرادة خاتمه . فلما أراد الله أن يبتلي سليمان بالذي ابتلاه به , أعطى الجرادة ذات يوم خاتمه , فجاء الشيطان في صورة سليمان فقال لها : هاتي خاتمي ! فأخذه فلبسه , فلما لبسه دانت له الشياطين والجن والإنس . قال : فجاءها سليمان فقال : هاتي خاتمي ! فقالت : كذبت لست بسليمان . قال : فعرف سليمان أنه بلاء ابتلي به . قال : فانطلقت الشياطين فكتبت في تلك الأيام كتبا فيها سحر وكفر ثم دفنوها تحت كرسي سليمان , ثم أخرجوها فقرءوها على الناس وقالوا : إنما كان سليمان يغلب الناس بهذه الكتب . قال : فبرئ الناس من سليمان وأكفروه , حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم ; فأنزل جل ثناؤه : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان } يعني الذي كتب الشياطين من السحر والكفر { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا } فأنزل الله جل وعز وعذره . 1381 - حدثني محمد بن عبد الأعلى الصنعاني , قال : ثنا المعتمر بن سليمان , قال : سمعت عمران بن حدير , عن أبي مجلز , قال : أخذ سليمان من كل دابة عهدا , فإذا أصيب رجل فسئل بذلك العهد خلي عنه , فرأى الناس السجع والسحر وقالوا : هذا كان يعمل به سليمان ; فقال الله جل ثناؤه : { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } . 1382 - حدثنا أبو حميد , قال : ثنا جرير , عن حصين بن عبد الرحمن , عن عمران بن الحارث , قال : بينا نحن عند ابن عباس إذ جاءه رجل , فقال له ابن عباس : من أين جئت ؟ قال : من العراق , قال : من أيه ؟ قال : من الكوفة . قال : فما الخبر ؟ قال : تركتهم يتحدثون عليا خارج إليهم . ففزع فقال : ما تقول لا أبا لك ! لو شعرنا ما نكحنا نساءه ولا قسمنا ميراثه , أما إني أحدثكم من ذلك أنه كانت الشياطين يسترقون السمع من السماء فيأتي أحدهم بكلمة حق قد سمعها , فإذا حدث منه صدق كذب معها سبعين كذبة , قال : فيشربها قلوب الناس ; فأطلع الله عليها سليمان فدفنها تحت كرسيه . فلما توفي سليمان بن داود قام شيطان بالطريق فقال : ألا أدلكم على كنزه الممنع الذي لا كنز مثله ؟ تحت الكرسي . فأخرجوه فقالوا : هذا سحر . فتناسخها الأمم , حتى بقاياهم ما يتحدث به أهل العراق . فأنزل الله عذر سليمان : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } . 1383 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قال : ذكر لنا والله أعلم أن الشياطين ابتدعت كتابا فيه سحر وأمر عظيم , ثم أفشوه في الناس وأعلموهم إياه . فلما سمع بذلك سليمان نبي الله صلى الله عليه وسلم تتبع تلك الكتب , فأتى بها فدفنها تحت كرسيه كراهية أن يتعلمها الناس . فلما قبض الله نبيه سليمان عمدت الشياطين فاستخرجوها من مكانها الذي كانت فيه فعلموها الناس , فأخبروهم أن هذا علم كان يكتمه سليمان ويستأثر به . فعذر الله نبيه سليمان وبرأه من ذلك , فقال جل ثناؤه : { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا } . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة , قال : كتبت الشياطين كتبا فيها سحر وشرك , ثم دفنت تلك الكتب تحت كرسي سليمان . فلما مات سليمان استخرج الناس تلك الكتب , فقالوا : هذا علم كتمناه سليمان . فقال الله جل وعز : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } . 1384 - حدثنا القاسم , قال : ثنا حجاج , حدثنا الحسين قال : عن ابن جريج , عن مجاهد قوله : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان } قال : كانت الشياطين تستمع الوحي من السماء , فما سمعوا من كلمة زادوا فيها مثلها . وإن سليمان أخذ ما كتبوا من ذلك فدفنه تحت كرسيه ; فلما توفي وجدته الشياطين فعلمته الناس . 1385 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن أبي بكر , عن شهر بن حوشب , قال : لما سلب سليمان ملكه كانت الشياطين تكتب السحر في غيبة سليمان , فكتبت : من أراد أن يأتي كذا وكذا فليستقبل الشمس وليقل كذا وكذا , ومن أراد أن يفعل كذا وكذا فليستدبر الشمس وليقل كذا وكذا . فكتبته وجعلت عنوانه : " هذا ما كتب آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم " , ثم دفنته تحت كرسيه . فلما مات سليمان قام إبليس خطيبا فقال : يا أيها الناس إن سليمان لم يكن نبيا , وإنما كان ساحرا , فالتمسوا سحره في متاعه وبيوته ! ثم دلهم على المكان الذي دفن فيه , فقالوا : والله لقد كان سليمان ساحرا , هذا سحره , بهذا تعبدنا , وبهذا قهرنا . فقال المؤمنون : بل كان نبيا مؤمنا . فلما بعث الله النبي محمدا صلى الله عليه وسلم جعل يذكر الأنبياء حتى ذكر داود وسليمان , فقالت اليهود : انظروا إلى محمد يخلط الحق بالباطل , يذكر سليمان مع الأنبياء , وإنما كان ساحرا يركب الريح . فأنزل الله عذر سليمان : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان } الآية . 1386 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : حدثني ابن إسحاق : { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني لما ذكر سليمان بن داود في المرسلين , قال بعض أحبار اليهود : ألا تعجبون من محمد يزعم أن ابن داود كان نبيا , والله ما كان إلا ساحرا ! فأنزل الله في ذلك من قولهم : { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا } أي باتباعهم السحر وعملهم به { وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت } . قال أبو جعفر : فإذا كان الأمر في ذلك على ما وصفنا وتأويل قوله : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا } ما ذكرنا ; فتبين أن في الكلام متروكا ترك ذكره اكتفاء بما ذكر منه , وأن معنى الكلام : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين } من السحر { على ملك سليمان } فتضيفه إلى سليمان , { وما كفر سليمان } فيعمل بالسحر { ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } . وقد كان قتادة يتأول قوله : { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا } على ما قلنا . 1387 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا } يقول : ما كان عن مشورته , ولا عن رضا منه ; ولكنه شيء افتعلته الشياطين دونه . وقد دللنا فيما مضى على اختلاف المختلفين في معنى " تتلو " , وتوجيه من وجه ذلك إلى أن " تتلوا " بمعنى تلت , إذ كان الذي قبله خبرا ماضيا وهو قوله : { واتبعوا } وتوجيه الذين وجهوا ذلك إلى خلاف ذلك . وبينا فيه وفي نظيره الصواب من القول , فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع . وأما معنى قوله : { ما تتلوا } فإنه بمعنى الذي تتلو وهو السحر . 1388 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان } أي السحر . قال أبو جعفر : ولعل قائلا أن يقول : أو ما كان السحر إلا أيام سليمان ؟ قيل له : بلى قد كان ذلك قبل ذلك , وقد أخبر الله عن سحرة فرعون ما أخبر عنهم , وقد كانوا قبل سليمان , وأخبر عن قوم نوح أنهم قالوا لنوح إنه ساحر ; قال : فكيف أخبر عن اليهود أنهم اتبعوا ما تلته الشياطين على عهد سليمان ؟ قيل : لأنهم أضافوا ذلك إلى سليمان على ما قد قدمنا البيان عنه , فأراد الله تعالى ذكره تبرئة سليمان مما نحلوه وأضافوا إليه مما كانوا وجدوه إما في خزائنه وإما تحت كرسيه , على ما جاءت به الآثار التي قد ذكرناها من ذلك . فحصر الخبر عما كانت اليهود اتبعته فيما تلته الشياطين أيام سليمان دون غيره لذلك السبب . وإن كان الشياطين قد كانت تالية للسحر والكفر قبل ذلك .وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت
http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/taba...a2-aya102.html