الغريب
ثمة شجرة من الأشجار المعمرة كانت هناك ، سكان القرية كانوا يعتبرونها رمزا لعراقة الآباء والأجداد ، وعنوان وفاء لهم ، كانوا يتعاهدونها بالزيارة والنظر ؛ لاسترجاع الماضي الجميل ، دأبوا على تلك الحكاية كلما سنحت لهم الفرصة وسمحت لهم الظروف ، حتى اتخذوا هذه العادة ضربا من ضروب الواجب المعيشي لهم .
في يوم من الأيام حط طائر جميل على تلك الشجرة ، وكان هناك اثنان من سكان القرية يمعنان النظر إليها ، عندها بدأ هذا الطائر يغني بصوت مؤثر ويحدِّث الاثنين حديثا شيقا .. وهما يستعذبان غناءه .. ويستمتعان بحديثه ، ثم ما لبث أن طار .
تكررت هذه الحكاية معهما ثلاثة أيام ـ في نفس الموعد من كل يوم ـ فأخبرا بقية أهل القرية بذلك ، وفي كل يوم كان عدد الحاضرين ـ إلى ذلك المكان ـ يزداد .
سَمِعَ أهل القرية وكل القرى المجاورة بقصة ذلك الطائر ، وأصبحت على كل لسان ، وراح الكل يستمتع بذلك الغناء الرقيق ، والحديث الذي يذهب همومهم وينفِّس كربهم .
من بين أهل القرية ثلاثة فتيان كانوا قد أتوا إليها من زمن واستوطنوها وتآلفوا مع أهلها وصاروا لهم إخوة ، فتعايشوا معاً وصاروا أهلاً ، ولكن لا أحد من السكان الأصليين كان يعلم ما يدور في خلد هؤلاء الثلاثة ، ولا أحد يعلم أنهم ما أتوا إلى هنا إلا لقتل هذا الطائر المسكين ، حيث كانوا يتابعونه من مكان لآخر .. بعدما قيل لهم انه سيحط على هذه الشجرة في يوم من الأيام .
وفي ذات يوم أشاع هؤلاء الإخوة : بأن حيوانا مفترسا أضحى يتخذ من محيط الشجرة مستراحا له ؛ كي ينشروا الفزع والذعر بين سكان القرية وجيرانهم ، ولتهيئة الفرصة لهم للانقضاض على ذلك الطائر وقتله .
بعد أن تأكد سكان القرية بأن ذلك الخبر لم يكن إلا إشاعة ، خرجوا في ذات صباح إلى موقع الشجرة كعادتهم ، لكنهم لم يجدوا إلا بقاياها بعد أن حطمت بالمعاول ، ووجدوا ريش الطائر الجميل يحركه الهواء من تحت أنقاضها .
* * *
من مجموعتي القصصية
قبائل الثلج