ساعات قليلة وتشرق شمس يومه الجديد.
وهو يحدق في السهر أحيانا وفي الكتاب أحيانا أكثر ـ كان يعلم جيدا أن يومه المرتقب هو آخر أيام اختبارات نهاية عامه الدراسي الطويل.
أيام اختباراته المرهقة امتدت قريبا من أسبوعين كان يسهر كل ليلاتها الطوال محدقا في سهره وكتبه ومستقبله المجهول .
بعد ساعات ستشرق الشمس . وبعد ساعات ستشرق توهجات منتظرة. توهجات من راحة وهدوء وفرح.

صحا من غفوته على أنامل أمه أرق من وجنتيه على وجنتيه. ومنهما على خصلات شعره المنسابة إلى الخلف .. تلملمها في حنان .
صحا من غفوته ليستفيق تماما على فرحه بآخر أيام اختباراته المرهقة.

بعد بداية اختباره الأخير بأقل من نصف ساعة حيث تغاضى المدير هذه المرة عن مسألة نصف الوقت ـ رمى بآخر همومه بين ركامات هموم رفاقه. هناك حيث تكدست الكتب المنتهية الصلاحية والضرورة على الجنبات.

قلقه الذي كان يخفيه حتى عن نفسه وهو يساوره بعض لحظات ليلته الفائتة من خشية أن يحمل صباحه الأخير مفاجأة غير سارة ـ تجاوزه بنجاح وهو يرفع علامة النصر / الشكر لمعلم المادة, معلمه المنطلق من المفاهيم والرؤى الصحيحة للتربية والمستقبل والحياة.

حين عاد لطمأنة أمه .. لتأكيد تفاؤلها بأوليته .. لزرع ملامح راحتها من جديد على وجهها الندي القسمات .. حين عاد ليفعل ذلك وجدها في غفوة. ولكن غفوتها كانت طويلة مما كانت عليه غفوته. داعب وجنتيها وخصلات شعرها كما فعلت معه قبل قريب من ساعتين. لكن هذه المرة تجمدت أنامله. كان صقيع من ذهول يلف أنامله ولحظته !

لم يكن يوما من فرح .
لم يكن يومه الذي ينتظره .
ولم يكن سهره الأخير .. ولاقلقه الأخير.
لقد عادت كل أشيائه المؤلمة من جديد ..
عاد السهر والقلق
عاد التعب
عادت كل أشيائه المؤلمة من جديد وعاد معها اليتم!