تساءل السيد اسماعيل هنية يوم امس عن مدي جدوي استمرار السلطة الوطنية الفلسطينية التي يرأس وزارتها، ولكنه في الوقت نفسه لم ينطق بالكلمة السحرية التي ينتظرها الكثيرون في فلسطين المحتلة وخارجها بالاعلان عن حل هذه السلطة وحل مجلس وزرائها وكل المؤسسات الاخري المنبثقة عنها، وخاصة المجلس التشريعي الفلسطيني، فعمليا لا يوجد شيء اسمه السلطة الوطنية علي الارض بعد العدوان الاسرائيلي المتكرر علي مدن الضفة والقطاع ومسلسل الاغتيالات الشرس الذي يستهدف رموز المقاومة، وكاد ان ينجح في القضاء علي رئيس الحكومة الفلسطينية نفسه، مضافا الي ذلك ان اجهزة السلطة باتت في حال كامل من الشلل، فالموظفون لا يذهبون الي مقار اعمالهم لانه لم يقبضوا رواتبهم منذ ستة أشهر علي الأقل، ومعظم الوزراء باتوا حاليا خلف القضبان في السجون الاسرائيلية، والخزائن فارغة تماما بعد توقف المساعدات الخارجية.
فالأب الشرعي لهذه السلطة، وهي الولايات المتحدة والدول المانحة الاوروبية الاخري، توقفت عن دعم هذه السلطة ماديا ومعنويا، منذ ان قال الشعب الفلسطيني كلمته، واسقط حكومة الفساد وغيّر وجه المجلس التشريعي وأوصل حكومة جديدة شكلتها حركة حماس بعد انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة.
حتي الاطار السياسي الذي انطلقت منه هذه السلطة، وهي اتفاقات أوسلو، لم يعد موجودا، بما في ذلك خريطة الطريق التي حلت محلها، وتكفي الاشارة الي اعلان السيد عمرو موسي الأمين العام لجامعة الدول العربية الذي نعي فيه العملية السلمية برمتها في ختام اعمال مؤتمر وزراء الخارجية العرب الذي انعقـــد بشكل طارئ بالقاهرة قبل اسبوعين لبحث الأزمة اللبنانية.
ان اعتقال اسرائيل لعشرة وزراء وخمسة وعشرين نائبا منتخبا، واخيرا السيد عزيز الدويك رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، كل هذه ثوابت اساسية تؤكد ان السلطة الفلسطينية اصبحت مثل كيان مجوف فارغ من اي مضمون، ولا توجد عمليا الا في اذهان بقايا مهندسي اتفاقات اوسلو.
كنا ومازلنا نتمني لو ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد عقد اجتماعا طارئا لكل رموز العمل السياسي الفلسطيني في الحكومة والمعارضة، تماما عندما فعل ذلك للتحاور حول وثيقة الاسري، وصارح الجميع بان المسرحية انتهت واعلن حل هذه السلطة كليا واعادة الامور الي ما كانت عليه قبلها، اي مقاومة صريحة لمواجهة احتلال ظالم وقاتل، ولكننا علي ثقة وبحكم معرفتنا بالرجل وقياسا علي مواقف سابقة انه لن يقدم علي هذه الخطوة.
ان ما يفعله المقاومون المجاهدون في جنوب لبنان من تغيير المعادلات السياسية علي الأرض وتحقيق معجزة الصمود في مواجهة آلة عسكرية جبارة يجب ان يعطي درسا للفلسطينيين، حكومة ومعارضة من انصار اوسلو او من معارضيها، مفاده ان لا بديل عن المقاومة لتحرير الارض والتعامل مع هؤلاء الذين لا يحترمون سلاما ولا يتورعون عن قتل الاطفال وتدمير بيوتهم فوق اصحابها.
الشعب الفلسطيني كان دائما سباقا في المقاومة وفي التضحيات وقدم العديد من الأمثلة في الصمود، ولكن مشكلة هذا الشعب انه يفتقر الي القيادة التي ترتقي الي مستوي تضحياته وصموده.
--------------------------------------------------------
القدس العربي