نناقش هنا كلمة كثر استعمالها في النقاشات، والتي تستخدم في أحيان كثيرة وللأسف في غير موضعها.
تُستخدم في حسم قضية اختلف المسلمون حولها، وليست من الوضوح بمكان بحيث نرد الناس فيها إلى فطرهم.
أترضاه لأختك ؟!
قد تكون وسيلة إقناع فطري.
وقد تكون وسيلة إرهاب فكري !!
فإذا استخدمها المناقش للإقناع في شيء معلوم بصريح الفطر ومعلوم من الدين بالضرورة فهي وسيلة إقناع فطري.
وإذا استخدمها المناقش للإقناع في شيء اختلف فيه الناس وتضاربت آراؤهم فهو وسيلة إرهاب فكري.
كيف؟
إذا قال لك مخالفك "أترضاه لأختك؟"
فهو هنا يريد أن يُحرجك بأن يحاكمك إلى الرأي السائد في مجتمعه في قضية ما فتحتم النقاش فيها إلا لأنها غير قطعية في الشرع.
وعندها لن تخرج سالماً بأي جواب أجبت !!!
إن أجبته بـ(لا) هروباً من مصادمة الرأي السائد فقد خسرت النقاش وخسرت صدقك مع نفسك وربك.
وإن أجبته بـ(نعم) عرَّضت عِرضك وغيرتك للانتقاص بناءً على السائد في المجتمع.
فالرأي السائد في المجتمع ليس بالضرورة أن يكون هو الحق في القضية المطروحة.
ثم هبوا أن المرء منا لا يرضى القضية المطروحة لأخته، فهل كل ما لا يرضاه المرء لأخته ينبغي أن يحرمه على أخوات غيره؟
أنا لا أرضى أن تعمل أختي بائعة حتى في الوسط النسائي، فهل يستلزم ذلك أن أحرم ذلك على نساء المسلمين؟
لم يرض النبي – صلى الله عليه وسلم – كأب أن يجمع علي – رضي الله عنه - على ابنته ابنة أبي جهل، لأن ابنته تحسست من أن يقول الناس تزوج ابنة عدو الله على ابنة نبي الله، فهل جعل من ذلك حكماً عاماً لكل المسلمين؟ أم قال إني لا أحل حراماَ ولا أحرم حلالاً.
أذكر مرة انفتح النقاش في الساحة حول زواج المسيار، فبدلاً من أن يدور النقاش حول مستند العلماء في إباحته أو تحريمه، كانت جملة "أترضاه لأختك؟" تعامل على أنها الفيصل في هذا الموضوع.
من يعود إلى جيل الآباء والأجداد، يرى كثيراً من الأشياء التي نجيزها اليوم كانوا يحرمونها على نسائهم وأخواتهم.
فمثلاً، لم يكونوا يرضون أن يرى العاقد مَن عَقَدَ عليها إلى ليلة الزواج (فضلاً عن أن يرى الخاطب مخطوبته).
ولم يكونوا يرضون أن تخرج المرأة إلى المسجد.
هذا اليوم تغير، وهذا التغير هو عودة إلى الشرع لا خروجاً عليه.
لكن حين كان فعل هذه الأمور مستهجناً عند الناس، لم يكن أحد ليقبله لأخته.
أليس تطبيق هذه القاعدة كان سيحرم الناس من العودة إلى حكم الشرع في هذه الأمور.
بهذا يتبين من استعمل كلمة "أترضاه لأختك؟" كوسيلة لحسم النقاش لم يفعل شيئاً ذا بال، ويبقى الحق والشرع هو الفيصل وليس رضى فلان وفلان حتى ولو كان رأيهم رأي أكثر الناس.
إشكال أخير قبل أن أختم:
كيف إذا علمتم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – هو أول من استخدم هذا الاستفهام في هذه الأمة؟
عن أبي أمامة قال: إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ائذن لي بالزنا فأقبل القوم عليه فزجروه قالوا مه مه فقال ادنه فدنا منه قريبا قال فجلس قال أتحبه لأمك قال لا والله جعلني الله فداءك قال ولا الناس يحبونه لأمهاتهم قال أفتحبه لابنتك قال لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك قال ولا الناس يحبونه لبناتهم قال أفتحبه لأختك قال لا والله جعلني الله فداءك قال ولا الناس يحبونه لأخواتهم قال أفتحبه لعمتك قال لا والله جعلني الله فداءك قال ولا الناس يحبونه لعماتهم قال أفتحبه لخالتك قال لا والله جعلني الله فداءك قال ولا الناس يحبونه لخالاتهم قال فوضع يده عليه وقال اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء (أخرجه أحمد في مسنده ولم أطلع على درجته)
الجواب: نعم ... استخدمه للإقناع في شيء معلوم بصريح الفطر ومعلوم من الدين بالضرورة.
فهو تذكير للرجل بما استقر في الفطر السليمة.
فكلمة "أترضاه لأختك"
استخدمها في قضية لا يجيب فيها بــ(نعم) إلا ديوث.
فلم تكن من القضايا التي اختلف فيها الناس فأراد أن يحسم الخلاف بهذا السؤال.
بل كانت لإقناع رجل شذ في تصرفه عن الناس فجاء يستأذنه في الزنا، فكان أن وجههه النبي – صلى الله عليه وسلم - إلى أن يسأل فطرته ليزول الغبش الذي جعله يستأذن في أمر واضح كهذا.
والله أعلم.
________________________________________
لا يزال المتجردون للحق يجددون دينهم حتى يلقوا ربهم.