هل من حق الطبيب الحكم بالإعدام على المريض الميئوس من شفائه؟ هل نرحمهم من عذاب بلا نهاية ؟ هل نجعلهم يموتون بشكل إنساني رحيم ؟ هل توفر عليهم … وعلى أسرهم المعذبة استمرار نزيف المعاناة النفسية والمعنوية والمادية بلا أمل ؟ هل نريحهم من آلام الإبر المفروسة في أوردتهم ليلاً ونهاراً ؟ ونخلع تلك الوصلات التي تربطهم بحياة هي في الحقيقة حياة وهمية ؟ …
هل تفرض علينا الإنسانية أن نبقي إنساناً ميتاً حياً … أو حياً ميتاً على قيد الحياة ؟
اجتمع مؤتمر الاتحاد الدولي لجراحي المخ والأعصاب بنيودلهى من 8-13 أكتوبر 1989 م وأجمع أعضاؤه (4 آلاف طبيب) على اتخاذ هذا القرار:
في حالات الأمراض غير القابلة للشفاء وفى المرحلة الأخيرة يحق الطبيب بعد مناقشة واضحة وقرار من المريض أو أقرب أقاربه أن يحد تدخله من هذا العلاج بشكله المناسب لى قدر الإمكان لنوعية الحياة التي تقترب من نهايتها. ومن الواجب العناية بالمريض الذي على حافة الموت حتى النهاية
اليوتانيجا … اللفظ يبدو بالقطع غريباً عليناً ولكن الأكثر غرابة منه هو مضمونه وممارساته، ففي الغرب أطلقوا عليه اسم " القتل من أجل الرحمة " … والبعض يسمونه " القتل يأساً من الشفاء " ولكنه في كل الأحوال يعبر عن تدل بشري لوضع حد لحياة المرضي الميئوس من شفائهم … تلك قضية متفجرة في أكثر من دولة في كل أنحاء العالم. وهناك دول بالفعل تمارس وتطبق ظاهرة القتل الرحيم ولكنها حتى الآن لم تصدر التشريعات والقوانين التي تنظم ممارسة هذا العمل. .
أما الآن فيتم تخيير المريض بين حقن بعقار سام تحت الجلد حتى يغرق في غيبوبة كاملة يعقبها حقن آخر بمواد تساعد على ارتخاء العضلات من أجل شل عمل الجهاز التنفسي علاوة على طرق أخري يتم خلالها قتل المريض الميئوس من شفائه على عدة مراحل تستغرق عدة ساعات من خلال عقاقير سامة أيضاً.
الطريق إلى النهاية …
هناك أطباء يتعمدون القتل الرحيم حتى يعجلوا بنهاية مرضاهم وليس بهدف تخفيف آلامهم وقد جاءت هذه الحقائق المثيرة تمثل صفقة قوية لمريدي القتل الرحيم بكل اتجاهاته مؤكدين أنه يجب اللجوء للقتل الرحيم فقط كأداة لإنهاء الآلام التي لا نهاية لها وأن المريض وحده وبكامل حريته واختياره يجب أن يكون صاحب القرار دون أي ضغوط.
ويعكس ذلك المخاوف التي كان بيديها البعض من احتمال حدوث " انزلاق " نحو ممارسات أخري بمجرد الشروع في تنفيذ فكرة " القتل الرحيم " .
وبالفعل عندما يصبح الطبيب وليس المريض هو صاحب القرار فإنه ذلك سيفتح الباب أمام ممارسات غير مشروعة لا أول لها ولا آخر وقد يصعب وقفها.
وليس بعيداً عن الأذهان تجارة الأعضاء التي أصبحت رائجة عند الكثيرين لدرجة أنه يمكن التأكيد على أن هناك طرق خاصة بهذه التجارة.
هذا هو ما يحدث في الغرب المتحضر وما يقع في الغرب حادث إلا وترك صداه في الشرق لأن وسائل الإعلام والاتصال السريعة قد قربت بين الناس فجعلتهم كالأسرة الواحدة في المكان الواحد فإذا حدث حادثه اجتماعية خطر في بلد ما رن صداها في كل بلد ووجدت من التعليقات المختلفة مبدأنا بالتفاعل الآراء وتبادل الأفكار .
يقول الرسول r فيما رواه البخاري:
( من تردي من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالداً مخلداً أبداً، ومن تحسي سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في النار خالداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً أبداً )
فإذا لم يكن للإنسان أدني شك في أن ينهي حياته لأنه ليس المتصرف فيها بأمره فكيف يجوز لإنسان آخر – طبيباً كان أو غير طبيب أن يمنح هذا الحق فيقضي على مريض شئ الحظ بدوافع ما يسمي بالشفقة ! ومفاجآت الصحة والمرض في الحياة تمنع هذا الدوافع، فكم من مريض توقع الناس مماته وقامت كل الدلائل على تحقق نهاية ثم رتب فيه الحياة دبيباً انتهي إلى شفائه الذي وقف الطبيب عاجزاً عن تحقيقه.
فكلما يذهب القوي الصحيح فجأة وقد تمت مظاهره عن نشاط وفناء وحيوية فكذلك ينهض المريض فجأة وقد نمت مظاهرة عن انحلال وتفكك وانهيار لأن خالق الناس يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي وهى على كل شئ قدير.
واتجهت أكثر للإجابة إلى التحريم القاطع ولم تقدم الرأي الشاذ ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة . ولعل من الردود المعتدلة ساعتها ما ذكره الطبيب المشهور إسماعيل مرتضي حين قال:
" روت صحيفة ؟؟؟؟أن فتي أصباته غاشية الموت في وأقيمت له مراسيم جنازة بعد أن فحص الأطباء فحصاً جيداً وقرروا أنه جثه هامدة ثم وضع في النعش وسار به في موكب الجنازة إلى القبر ثم أنزل في اللحد وفى هذه اللحظة قيل أن يهلك عليه التراب أفاق من غشية ثم لم يستطع الحراك في أول الأمر ولكنه تجمع واجتهد حتى استطاع أن يرفع غطاء ويخرج راسه منه ! . وهكذا عاد الميت إلى منزله حياً مع من شيعوه إلى القبر .
فهذا إنسان لم ييأس منه الطب فحسب بل خيل إلى الأطباء أنه كان فعلاً وسارت به الجنازة وحمل إلى اللحد ثم أدركته رحمه الله فأنتعش !
أليس قتل المريض بحجة اليأس من شفائه جريمة نكراء ؟.
أين مشيئة الله ؟
وماذا عن الإيدز ؟
الإيدز مرض بلا دواء حتى الآن … ولكن هل يعنى ذلك أن نتوقف عن علاج المريض ؟ يقول دكتور أن ضميري الطبيب لا يسمح له أن يتوقف عن علاج مريض الإيدز … فقد يُمد الله في عمره شهوراً أو سنوات يُكتشف خلالها دواءً لهذا الداء اللعين.
قال: عن أسامة بن صريط قال: جاء أعرابي وقال يا رسول الله: أتتداوى؟ قال: نعم فإن الله لم ينزل داء إلا وأنزل له شفاء … علمه من علمه وجهله من جهله "
وقال تعالى " ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً … " ومما يؤكد ضرورة تنفيذ واستمرار العلاج أننا مأمورون بإنقاذ النفس البشرية بكل ما وسع القادرون على ذلك … فهو واجب إسلامي وشرعى.