بينَ يديكِ حبيبتي

نور الحق إبراهيم



عُـصفورتي الصغيرة ..

أحببتكِ مِنْ قبل أنْ تــُولدي

ومِنْ قبل أنْ أولدَ أنا ..

إنهُ حُبٌّ تخلـّـقَ فِي رَحِـم الزمَان

قبلَ آلافِ السّـنِـين ..

كنتُ أبحثُ فيهِ عنكِ

وأسألُ النسماتِ عنكِ

وأسألُ السماءَ حينَ تــُـمطِر

والعصافيرَ حينَ تــُـغـرّد ..

كنتُ أسألُ عنكِ الليلَ والفجرَ

واللؤلؤَ في أعماق البحَـار .



ولو أردتِ الحقيقة

أيتها الموجَـة الرقيقة ..

فاسألي عنها جُـفونَ القمر

وأهدابَ النجوم

حيثُ تجدينني مُختبئا فيها

فاتِـحًا ذراعيّ

لكي أحتضنَ أطيافكِ

حينَ تأتينـِـي معَ حُـلول المَسَاء .



لو تعلمينَ مِـقدارَ شوقي إليكِ

لما تأخرتِ عني طوالَ تلكَ السـنين

وتركتِ قـلـْـبي حَـائرًا

ينتظركِ في لهفةِ العاشق الحَالم

وبراءةِ الطفل الوَديع

الذي ينتظرُ حناناً مِنْ صَـدر أمّـه .



إنني في انتظاركِ

أرتدُّ مَعكِ في اليوم آلافَ المَـرّاتِ

إلى زمن الطفولةِ البريئة

ألعبُ معكِ وألهو بينَ يَـديكِ

وأنطلقُ مَعَـكِ في رحْـلةِ عُـشـْـبـيّـة اللون

وردية الأحلام

نحلمُ سوياً بمستقبل حَـنون وَديع

ونعيشُ واقعاً آخـَـر

ليس فيه وحوشٌ وذئابٌ وخفافيش ..

بل نعيشُ ـ أنتِ وأنا ـ واقعَ البرَاءةِ والطفولة

والحبِّ الصّـافي حتى الثمالة .



إننا ـ يا صغيرتي ـ لا نعرفُ التملقَ والرياء ..

ولا نستطيعُ أن نلبسَ أقنعة مُـزيفة

كما تفعلُ بعضُ الذئابِ البَـشرية

لأننا ولدنا ـ أنت وأنا ـ من رحم الحُـبّ الطاهر

وما زلنا نتوالدُ كمَا تتوالدُ النجومُ في السماءِ

كلّ مَـسَـــــاء .



إن أيّ مكانٍ تــَـحُـلـّـينَ فِـيهِ

تعطرينهُ بعبيركِ الطبيعيّ الفواح ..

ويغدو جنة خضراءَ شديدة الخضرةِ والنماء

لأنه يستقي من رضاب ثغركِ الفياضِ بالحب

ومِنْ ينبوعكِ المتدفق بالحنانِ والأملِ

والحياةِ السّــاحرة .



بكِ يختلفُ الواقعُ مهما كانَ مُـؤلمًا

ويصيرُ بالنسـبةِ لِـي مَـصْـدرَ سَـعَـادةٍ

وراحةٍ ورضاً واطمئنان .

بكِ أرى الحاضرَ مُسْـتــَـقـبَلا

وينسلخُ الزمانُ مِنْ جـلدِه

ويفقدُ هويـّــتــَـهُ

ويصيرُ رَهْـنَ إشارةٍ مِنْ طـرفِ قـلبي

المعلق بأشجار قـلـبـك .



يا أيتها الغالية الحبيبة ..

كلُّ المَساحاتِ في القرى والمدن

تنسى أشكالـَـها الهندسية

حينَ تراكِ بالقرب مِنهَـا ..

فكيفَ إذا حَـللتِ فيها

وبَـسَـطتِ عليها فستانكِ الحريريّ

ومسحتِ على خدودِها

بمنديلكِ الرقيق العَــاطر !!

إنها إذن تحسُّ بوقع الحنانِ وخطواتـِـه

وتعرفُ نشوة الحلول

بلْ تذوقُ الشهدَ وتسكرُ مِـنْ مَـذاقـِه

وتشتاقُ لتكرار الزيارةِ والاقتراب ..

زيارة الملكة الفاتنة لأيّ جزءٍ مِنْ أجْـزائِـها .



فحيثما تحلين ـ أيتها الملكة ـ

يحلُّ الربيعُ وتجري الأنهارُ

ويهربُ الأعداءُ ويُخـْـذلُ الحُسّـادُ

ويصمتُ الوَاشـُـون

وتنقطعُ ألسنة الكذب والسوءِ والنميمة

وتتكشفُ الأقنعة المزيفة

فلا يبقى ذو وجهين

في بلاطكِ العامر بالحُبِّ والإخلاص

والكلمةِ الطيبةِ التي تصعدُ إلى السماءِ

وتتصلُ بالملأ الأعلى

ويرضى عنها فاطرُ الكون العجيب .