جارية لعوب :
جارية مدللة لعوب من جواري الخليفة المأمون ، أحست بمكانتها من قلبه ، فأهدت إليه تفاحة واحدة في العدد ، وهي أهون عند المأمون من تذكرها له بما ذكرت في جوابها إليه 00
فقالت : يا أمير المؤمنين ، لما رأيت تنافس الرعية في الهدايا إليك ، وتوافر ألطافهم عليك ، ففكرت في هدية تخف مؤنتها ، وتهون كلفتها ، ويعظم خطرها ، ويجل موقعها ، فلم أجد ما ما يجمع فيه هذا الوصف إلا التفاح ، فأهديت إليك منه واحدة في العدد كثيرة في التقرب ، وأحببت يا أمير المؤمنين أن أعرب لك عن فضلها وأكشف لك عن محاسنها ، وأشرح لك لطيف معانيها ، وما قال الأطباء فيها ، وتفنن الشعراء في أوصافها ، حتى ترمقها بعين الجلالة ، وتلحظها بمقلة الصيانة ، فقد قال أبو الرشيد : أحسن الفاكهة التفاح ، اجتمع فيه الصفرة الدرية والحمرة الخمرية والشقرة الذهبية وبياض الفضة ولون التبر ، يلذ بها من الحواس : العين ببهجتها ، والأنف بريحها ، والفم بطعمها 0 وقال أرسطو طاليس الفيلسوف : عندما حضرته الوفاة واجتمع إليه تلاميذه التمسوا لي تفاحة أعتصم بريحها وأقضي وطري بالنظر إليها 0 وقال إبراهيم بن هانيء : ما علل المريض المبتلى ولا سكنت مرارة الثكلى ولا ردت شهوة الحبلى ولا جمعت فكرة الحيران ولا سكنت حنقة الغضبان ولا تحننت الفتيان في بيوت القيان بمثل التفاح 0 والتفاحة يا أمير المؤمنين إن حملتها لم تؤذك وإن رميت بها لم تؤلمك وقد اجتمع فيها ألوان قوس قزح من الخضرة والحمرة والصفرة وقال فيها الشاعر :
حمرة التفاح مع خضرته
أقرب الأشياء من قزح
فعلى التفاح فاشرب قهوتي
واسقنيها نشاط وفرح
ثم غن اللحن كي تطربني
طرفك الفتان قلبي قد جرح
فإذا وصلت إليك يا أمير المؤمنين فتناولها بيمينك وانصرف إليها بعينك وتأمل حسنها بطرفك ولا تخدشها بظفرك ولا تبعدها عن عينك ولا تبذلها لخدمتك فإذا طال لبثها عندك ومقامها بين يديك وخفت أن يرميها الدهر بسهمه ويقصدها بصرفه فتذهب ريحها وتحيل نضرتها فكلها هنيئا مريئا غير داء مخامر ، والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته 0