مكة المكرمة :
مكة المكرمة من أشرف البلدان ومن البلاد والأماكن خيرها وأشرفها والبلد الحرام هو اختيار الله سبحانه وتعالى اختاره لنبيه عليه الصلاة والسلام وجعله مناسك لعباده وأوجب عليهم الإتيان إليه من القرب والبعد ومن كل فج عميق ،فلا يدخلونه إلا متواضعين متخشعين متذللين كاشفي رؤوسهم ،متجردين عن لباس أهل الدنيا ،وجعله حرما آمنا لايسفك فيه دم ولا تعضد به شجرة ولا ينفر صيده ولا يختلى خلاه ولا تلتقط لقطته للتمليك بل للتعريف ليس إلا 0وجعل قصده مكفرا لما سلف من الذنوب ماحيا للأوزار حاطا للخطايا 0 كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أتى هذا البيت ،فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه )) 0ولم يرض لقاصده من الثواب دون الجنة ففي السنن من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة ، وليس للحجة المبرورة ثواب دون الجنة )) أخرجه الترمذي0 وفي الصحيحين ع أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة )) 0 فلو لم يكن البلد الأمين خير بلاده وأحبها إليه ومختاره من البلاد لما جعل عرصاتها مناسك لعباده فرض عليهم قصدها وجعل ذلك من آكد فروض الإسلام وأقسم به في كتابه العزيز في موضعين منه فقال تعالى : (( وهذا البلد الأمين )) وقال تعالى : (( لا أقسم بـهذا البلد )) وليس على وجه الأرض بقعة يجب على كل قادر السعي إليها والطواف بالبيت الذي فيها غيرها ،وليس على وجه الأرض موضع يشرع تقبيله واستلامه وتحط الخطايا والأوزار فيه غير الحجر الأسود والركن اليماني 0 وثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة 0وعن عبد الله بن عدي بن الحمراء أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف على راحلته بالحزورة من مكة المكرمة يقول : (( والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت )) قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح 0 ومن خصائص مكة المكرمة أنها قبلة لأهل الأرض كلهم ، فليس على وجه الأرض قبلة غيرها ومن خواصها أنه يحرم استقبالها أو استدبارها عند قضاء الحاجة دون سائر بقاع الأرض 0
ومن خواصها أيضا أن المسجد الحرام أول مسجد وضع في الأرض كما في الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع في الأرض ؟ فقال : (( المسجد الحرام )) قلت ثم أيّ ؟ قال : (( المسجد الأقصى )) قلت : كم بينهـما ؟ قال : (( أربعون عاما )) 0ومما يدل على تفضيلها أن الله سبحانه أخبر أنها أم القرى ، فالقرى كلها تبع لـها وفرع عليها ،وهي أصل القرى ، فيجب ألا يكون لـها في القرى عديل فهي كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ( الفاتحة) أنـها أم القرآن ولهذا لم يكن لـها في الكتب الإلـهية عديل 0والذنب مضاعف في مكة وفي المسجد الحرام من يهم بالسيئات وإن لم يفعلها يعاقب على ذلك قال تعالى : (( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم )) فتأمل كيف عدى فعل الإرادة هاهنا بالباء ، ولا يقال أردت بكذا إلا لما ضمن معنى فعل (هم) فإنه يقال : هممت بكذا فتوعد من هم بأن يظلم فيه بأن يذيقه العذاب الأليم 0ومن هذا تضاعف مقادير السيئات فيه لا كمياتها فإن السيئة جزاؤها سيئة ،لكن سيئة كبيرة ،وجزاؤها مثلها ، وصغيرة جزاؤها مثلها ، فالسيئة في حرم الله وبلده وعلى بساطه آكد وأعظم منها في طرف من أطراف الأرض ، ولـهذا ليس من عصى الملك على بساط ملكه كمن عصاه في الموضع البعيد من داره وبساطه ، فهذا فصل النزاع في تضعيف السيئات والله أعلم0
يقول الله تعالى : (( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين))0يخبر الله تعالى أن أول بيت وضع للناس ، أي عموم الناس لعبادتهم ونسكهم يطوفون به ويصلون إليه ويعتكفون عنده للذي ببكة يعني الكعبة التي بناها إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام 0وذكر الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه أول بيت وضع للعبادة وليس أول بيت وضع في الأرض0وبكة من أسماء مكة على المشهور ،قيل سميت بذلك لأنها تبك أعناق الظلمة والجبابرة بمعنى أنهم يذلون بها ويخضعون عندها 0وقيل :لأن الناس يتباكون فيها أي يزدحمون وقال قتادة :إن الله بك به الناس جميعا فيصلي النساء أمام الرجال ولا يفعل ذلك ببلد غيرها 0قال ابن عباس رضي الله عنهما : مكة من الفج إلى التنعيم وبكة من البيت إلى البطحاء 0وقال شعبة عن المغيرة عن ابراهيم : بكة البيت والمسجد وكذا قال الزهري0وقال عكرمة في رواية وميمون بن مهران : البيت وماحوله بكة وماوراء ذلك مكة 0وقد ذكروا لمكة أسماء كثيرة وهي: مكة وبكة والبيت العتيق والبيت الحرام والبلد الأمين والمأمون وأم رحم وأم القرى وصلاح والعرش والقادس والمقدسة والناسة والباسة والحاطمة والرأس وكوثاء والبلدة والبنية والكعبة0
يجب علينا جميعا وجميع الحجاج والمعتمرين والزوار معرفة مكانة مكة وفضائلها وخصائصها وأهمية التزام الأدب والتخلق بالأخلاق الفاضلة فيها والابتعاد عن مزاحمة الناس وأذيتهم 0