الحمدالله أحمده واستعينه واستغفره وأتوب اليه وأعوذ بالله من سيئات عملي ، وأشهد ألا اله الا الله وحده لا شريك له فى ألوهيته ، وفى ربوبيته، وفى كمال ذاته وصفاته شهادة أرجو بها لقاء وجهة ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبدالله ورسوله امام المتقين وسيد المرسلين وقائد الغر المحجلين صلى الله عليه وعلى وأصحابه أجمعين وسلم تسليما كثيرا الى يوم الدين وبعد .

فلقد خلق الله الانسان بيده الكريمه ونفخ فيه من روحه الزكيه وجعله روحا وجسدا وجعل الروح جوهر الحياه وضمن لها البقاء وجعل الجسد وعاء حافظا لها الى أجل مقيدا قدرتها على الانطلاق والتحليق فى آفاق الكون .وقد اختص الله تعالى بالكمال المطلق وكتب على خلقه النقص فى المال والنفس والثمر لحكم أرادها وأسرار اقتضتها حكمته وخبرته وكمال علمه .والانسان فرد من أفراد خلق الله مكون من روح وجسد ويعتري كلا منهما النقص فى الخلق والخلق والشعور والاحساس معرض للنقص والقصور وتعتريها الامراض النفسيه من قلق واكتئاب واضطراب وهبوط وتذبذب فى الشعور والادراك وسوسة تفرز التردد والشكوك والنهيار النفسي والاحباط عن الاتجاه عن السوي ، كما أن الروح معرضه للامراض النفسيه من سحر وآثار حسد .والجسد كائن حي مادامت الروح كامنة فيه يعتريه من الامراض الحسيه المختلفه مايعتريه فى سنعه وبصره وقواه المتعدده فى الظاهر الباطن .ونظرا الى أن الله تعالى قد ميز الانسان فى خلقه وفضله على كثير من خلقه بعقل يدرك الخير من الشر والهدى من الضلال وبقلب يعي ويبصر وبمدارك تهدى الى ما تقتضيه فطره الله التى فطر الناس عليها ومن ذلك القدره على التدرج فى آفاق العلم واختراق حجب الكون لمعرفة خصائصه وعجائبه وغرائبه ثم الافاده من هذه الخصائص بما هيأ للانسان حياة حضاريه خدمته فى كثير من شؤون حياته من حيث حمايته والحفاظ على حقوقه والاخذ بأسباب سلامته من الامراض وتمكينه من عمارة الارض والقيام بخلافته كما ضمنت الحياة الحضاريه للانسان كرامته وفضله وتميزه على كثير من مخلوقات الله فضلا عن عناية الله تعالى بالانسان فى تيسير أمر استقامته وصلاحه وهداه وذلك بارسال الله رسله وأنبياءه وبانزال تعالى كتبه لخلقه تبيانا لكل شىء وهدى وموعظة وبشرى للمهتدين .

فاجتمع للانسان من أسباب السعاده والطمأنينه والتميز التحصيل العلمي من وحى السماء ونتاج العقل ماجعله يقود الكون البشري فى الحياة الدنيا الى ماوصلت اليه الان من العلوم المختلفة فى شؤون الروح والجسد والحياة .

علوم فى حكمة الوجود وحق الواجد ، وعلوم فى فلسفة الكون ، وعلوم فى خصائص المجتمعات وشرائحها ومكامن وجودها ووسائل نهوضها وتدينها ، وعلوم فى طب الانسان والحيوان والنبات وعلوم فى خصائص الكون والحياة والسعادة .ويهمنا فى هذه المناسبه من العلوم طب الانسان المكون من الروح والجسد ، فللروح طب خاص بها اصطلح على تسميته بالطب النفسي ، وللجسد طب هو الطب العام ولكل من الطيبين رجاله المختصون به وأدويته المختصه به .ونظرا الى أن الروح كائن حي أمره الى الله وسره مما أختص الله تعالى بعلمه فان الروح يعتريها من الامراض مايجعلها تتعثر فى توفير السعاده لوعائها وهو الجسد . وتحقيقا للارادة الالهية : ما من داء الا وله دواء اعلمه من علمه وجهله من جهله . وادراكا للكثير من أمراض الروح وأن فيها ما يعالج بالعقاقير الطبيه ومنها مايعالج عن طريق اختراق حجب المواقع النفسيه ومنها مايعالج عن طريق الرقى والادعية الشرعية فقد تعددت العيادات النفسيه وظهر لكل أهلها والمختصون بها . وموضوع بحثنا العياده النفسيه المختصه بأمراض الروح وخزات الشيطان وهى أمراض حقيقيه ذات شبه بالروح من حيث الوجود وانتفاء الظهور للسمع والبصر واللمس . وقد وجد من غلاة عباد العقل والحس من ينكر مثل هذه الامراض وينكر أدويتها بحجة سلامة الجسد من المرض وانكار أمراض لايكون الجسد مكانها وارجاع ذلك الى الوهم والخيال .

وهذا فى الواقع راجع الى قصور الادراك وانكار الوجود ونقص الايمان وتحكيم العقل وجودا وعدما والاقتصار على مايتحقق بالمشاهده فقط .والصحيح الذى تؤيده الوقائع أن الوجود ليس محصورا فى الحى الملموس المشاهد . فالكهرباء وهو كائن حى كامن فى أسلاكه قوة تستخدم لاغراض مختلفه وهى قوة مدمره هذه القوه لايميزها من يقدم له سلكان أحدها مشحون بالقوه الكهربائيه والاخر خال منها وكذلك الامر بالرياح والاعاصير فهى قوى تدمر كل شى بأمر ربها ويرسلها الله تعالى لواقح وبشرى بين يدى رحمته ومع ذلك لايبصرها ولا يلمسها اللامس .وأرواح بنى لانسان والجان والملائكة والحيوان والنبات وأرواح موجودة حقيقيه لايمارى فى وجودها عاقل ولامجال لمشاهدتها ولالمسها .هذا القول يعطينا القناعه والتسليم بامكان وجود آثار لاسباب بتعذر الاحساس بها من حيث السمع والبصر واللمس .ونظرا الى أن هذه الحقيقه الكونيه محل ايمان وتسليم من قبل أهل الديانات السماويه والاخص أمة الاسلام فقد وجد من أدعياء العلم والمعرفه من حشر نفسه فى زمرة علماء امراض الروح والنفس لا سيما فيما يتعلق بالرقى والتمائم والادعيه . وذلك بالدخول فى مجالات الشعوذه والدجل واستخدام مردة الشياطين والجن والاخذ بالطلاسم والرموز فأعطو الطب الشرعى فيما يتعلق بالروح والجسد تعتيما وتلبيسا وتضليلا وخلطا بين الحق والباطل .فيتعين على أهل الفضل والعلم ذوى الاعتقاد السليم والايمان الصادق أن ينيروا للمسلمين طريق الرشاد وأن يتابعوا التحذير من محترفى الدجل والخرافه والشعوذه عبدة الجان والشياطين فيحذرونهم من أعمالهم الشركيه والتضليليه ومن أعمالهم الانتهازيه لسلب والتسلط على الاعراض وافساد النفوس والقلوب وايضاح الرفوق بين الرقى والادعيه الشرعيه وبين ما يقدمه أولئك المشعوذون الدجاجلة من خبث وسوء وضلال واضلال .فالرقى الشرعيه والادعيه المشروعه طب نفسى ولايصل الشك الى التردد فى قبوله واعتباره لاسيما من المسلمين الذين يشهدون بربوبية الله وألوهيته وأنه الشافى المعافى لا حول ولاقوة الا به تعالى ماشاء كان وما لم يشأ لم يكن .فلقد تضافرت النصوص الشرعيه من كتاب الله تعالى ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فى اعتبار القرآن هدى وشفاء قال تعالى } قل هو للذين آمنو هدى وشفاء{وقال تعالى } وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمه للمؤمنين {وقال تعالى } واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه هو السميع العليم { وقال تعالى } واذا مرضت فهو يشفين { . ومن السنه ما فى صحيح مسلم عن عائشه رضى الله عنها قالت كان اذا اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقاه جبريل قال : بسم الله يبريك ومن كل داء يشفيك ومن شر حاسد اذا حسد ، ومن كل ذى عين ، وروى أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه أن جبريل رقى رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذا ، وروى مسلم فى صحيحه عن عائشه رضى الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا اشتكى منا انسان مسح بيده ثم قال : أذهب البأس رب الناس وأشف أنت الشافى لاشفاء الا شفاؤك شفاء لايغادر سقما . فلما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقل أخذت بيده لاصنع به نحو ماكان صنع فانتزع يده من يدى ثم قال اللهم أغفر لى واجعلنى مع الرفيق الاعلى قالت فذهبت أنظر فاذا هو قد قضى . وعنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات فلما مرض مرضه الذى مات به جعلت أنفث عليه وأمسحه بيد نفسه لانها كانت أعظم بركة من يدى . وعنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا اشتكى الانسان الشىء منه أو كانت به قرحة أو جرح قال النبى صلى الله عليه وسلم باصبعه هكذا –ووضع سفيان سبابته بالارض ثم رفعها - باسم الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرها أن تسترقى من العين . وفى صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الرقيه من العين والحمه والنمله . قال النووى : النمله جروح تخرج فى الجنب والحمه كل ذات سم وفى صحيح مسلم عن عوف الاشجعى قال رسول الله صلى عليه وسلم : اعرضوا على رقاكم لابأس بالرقى مالم تكن شركا .وفيه عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا فى سفر فمروا بحي من أحياء العرب فاستضافوهم فلم يضيفوهم . فقالوا لهم فيكم راق ?؟ فان سيد الحى لدغ أو مصاب فقال رجل منهم نعم فأتاه فرقاه بفاتحة الكتاب قبرأ الرجل فأعطي قطيعا من غنم فأبى أن يقبلها وقال حتى أذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فأتى النبى صلى الله عليه وسلم وذكر ذلك له فقال يارسول الله والله ما رقيت الا بفاتحة الكتاب قتبسم وقال وما ادراك انها رقيه ثم قال خذوا منهم واضربوا لى بسهم معكم . وفى رواية فجعل يقرأ أم القرآن ويجمع ريقه ثم يتفل فبرأ الرجل .هذه النصوص الشرعيه من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم تبين لنا أن الرقيه مشروعه ولاشك أن شرع الله حق وصدق فى حقيقته ووجوب الايمان به فالرقيه الشرعيه علاج لامراض الروح والنفس والبدن قال صلى الله عليه وسلم : لابأس بالرقى مالم تكن شركا.